يوم كامل مع أبناء وقتلة وأجواء آغاتا كريستي في كل مكان

ذلك اليوم الذي قررت التوجه الى المكان الذي تمت فيه جريمة قتل سناء “سهى قيقانو” تلك السيدة المتسلطة والتي تعاني من عقد نفسية متعددة، للاطلاع على عملية تصوير المسلسل “أبناء وقتلة” من سلسلة أبرياء ولكن… الذي أعاد الى شاشة ال MTV جمهورها الذي فقدته أثناء عرض مسلسل “عشق النساء” على شاشة المؤسسة اللبنانية للارسال. لعبت دور المحقق بأصغر التفاصيل وذلك من أمام ال “moniteur ” الى جانب المخرج سمير حبشي.
شدني فضولي الى تقصي الحقائق حول هذه الجريمة التي يتحرى عنها المحقق “غبريال يمين” بطل العمل بالمشاركة مع مساعدته “سنتيا خليفة” والطبيبة النفسية ” ديامان أبو عبود”.
ما إن وصلت الى الفيللا حتى أطلت المنتجة المنفذة سمر سعادة، توقفت لأسألها اذا كان هذا هو المكان الذي يتم التصوير فيه، وعن امكانية ركن سيارتي؟
متأثرة بأجواء آغاتا سألتني: ما هي المدة التي سأبقى في هذا المكان. أجبتها بالجدية نفسها : طوال النهار. فنظرت الي وقالت : حسناً، دعي السيارة هنا.
فأصبحت سمر سعادة من اللحظة بالنسبة الي المشتبه بها رقم واحد.
دخلت الفيللا، واذا بزوج سناء “جان قسيس” في الصالون يستجوبه المحقق “غبريال يمين”.
أجواء هيتشكوك البوليسية سائدة في كل مكان فخيّل الي التحري كولومبو بمعطفة الاسود الطويل موجود هناك يراقب.
إستأذنت الدخول وفجأة شعرت أن أحدهم يتبعني، نظرت خلفي فوجدت المخرجة المنفذة لوسيا بورني بيوك تتبعني لتسألني عن هويتي، أجبتها انني صحافية وأريد أن أصور الكواليس. وهكذا بدأت عملية التصوير والتحقيق، والصمت سيد المكان، كل شيء قاتم، مثير للشك.. وجميعهم متهمون.

هوية المسلسل:
الاسم: “أبناء وقتلة” من سلسلة ” أبرياء ولكن…”
شركة الانتاج: مروى غروب – مروان حداد
سيناريو: عبد المجيد حيدر
اخراج: سمير حبشي
مدير الاضاءة: ميلاد طوق

الممثلون:
غبريال يمين، ديامان أبو عبود، جان قسيس، نيكولا معوض، عماد فغالي، دارين حمزة، يوسف حداد، سهى قيقانو، أنطوانيت عقيقي، عاطف العلم، سينتيا خليفة، وجيه صقر، نيكولا مزهر، جناح فاخوري، آن ماري سلامة…
في أدما، في الفيللا التي خصصت لتصوير أغلبية مشاهد هذا المسلسل ابتكر ديكور خاص بالرواية.. كنت هناك الشاهدة الوحيدة على جدية العمل وعدت بهذا الإنطباع والمقابلات والتعليقات والصور:
وها أنا أكتب هنا ما سمعت ورأيت:

صوت سمير حبشي وهو أمام ال moniteur : ” حاضرين، كاميرا”
مساعد التصوير مصطفى كريدية: روللينغ،
حبشي: مشينا…
مشهد غبريال يمين ، نيكولا معوض وجان قسيس في الصالون
حبشي: غابي حط اجرك عل الباب
غبريال يضع قدمه امام الباب مانعاً نيكولا من اغلاقه
حبشي: cutلأ، كتير هيك ممكن يكسرلك اجرك، شوف كيف، يقف حبشي ويمثل الحركة أمام غبريال
يللا منعيد المشهد…

هكذا كانت أجواء التصوير قبل بث الحلقة الاولى من “أبناء ولكن” بيومٍ واحد.

بالانتقال الى المشهد التالي بين ديامان أبو عبود ونيكولا معوض
يبدو أن مشكلة ظهرت، ما هي قصة هذه الحقيبة التي حملتها ديامان؟

ديامان: هيدا الجزدان كان فوق ، شو عم يعمل هون؟

لوسيا بورني بيوك المخرجة المنفذة: هيدا بدو يكون معلق هون،
ديامان: بس كان فوق كيف صار هون،
سمير حبشي يتدخل: شو القصة؟
ديامان: الجزدان كان فوق بغرفة الضيوف كيف بدي مثّل المشهد وانا حاملتو، كيف صار معي؟ ما هو بالغرفة؟

حبشي يسأل لوسيا قوليلي شو الخبرية؟
لوسيا: عم فكر،
سمير: ما تفكري، قوليلي شو الخبرية هيدا هو السؤال.
لوسيا تشرح…

سمير حبشي وجد الحل سريعاً: لنلعب اللعبة، تخانقتو بتحملي الجزدان انت ونازلة، هيك كأنك نزلتي معك.
خلصنا. يللا، بروفا، طلعوا من الكادر، حبشي يسأل ميلاد طوق مدير التصوير: ضروري هالكبلات يكونو هون.
ميلاد: ايه،
حبشي، اوكي يللا جاهزين

تصوير المشهد في البهو مع نيكولا وديامان:
نيكولا: امل عملي معروف .. سامحيني
ديامان: كنت ناطرة منك تاخد موقف جدي وتحميني .. يا عيب الشوم.. تتركه وترحل مع غبريال
صوت المخرج: Cut،

نيكولا، شوف بتطلّع شوي عليون وهني ضاهرين، بعدين بتقرب لقدام، بتقول: شو هالقصة!؟

منعيد المشهد، Shuttt ، سكرو الباب، رواء .. كاميرا.. روللينغ .. مشينا.
الكل كان على موجةٍ واحدة، المخرج والمصور والممثلون والمساعدون وكل فريق العمل.
وهكذا عدة مشاهد صورت في هذه الفيللا.
في الوقت الذي كان يتم تجهيز وتحضير مشهدٍ آخر في غرفة الطعام، استغلّيت الفرصة للدردشة مع مدير التصوير ميلاد طوق.

عندما التقيت الاستاذ مروان حداد، واخبرني عن مباشرة تصوير مسلسل شيّق ذاكراً لي فريق العمل ومن بينهم أسمك الذي توقف عنده قائلاً ومفتخراً: “معي أهم DOP ميلاد طوق سائلاً في أهم منه؟ الى اي مدى دور مدير التصوير مهم في انجاح العمل؟
كما المخرح والكاتب والممثل كذلك دوره مهم ودقيق.

غالباً يكون النقد حول الاضاءة، هل السبب هو المعدات أو نظرية ورؤية مدير التصوير؟
لاننا نعمل في العالم الثالث المتخلّف، مفهوم الدراما وصانعو الدراما والمنتجون والتلفزيونات متخلّف أيضاً.

ماذا تفعلون لنهضة هذا القطاع؟ اين دوركم؟
تسألين عن دورنا؟ كل شيءٍ بات مقبولاً، لا يوجد مرجعية لاي شيء، لهذا اوجدنا مفهوماً خاطئاً في قلب الدراما والصورة لاننا نعيش كما ذكرت في عالمٍ ثالث متخلف، هذا هو رأيي، شو بدي خبرك، ما في بحث،الصورة لا تعني له شيئاً علماً اننا في عصر الصورة والسينما والتلفزيون هذا فن، ممكن ان تجدي اليوم احداً يزرع بطاطا وغداً يصور سينما كما يحصل في التمثيل والاخراج، لا يوجد شيء احترافي وهذا محزن ومبكٍ.

انت كأستاذ جامعي كيف توجّه طلابك؟
طلابنا موجهون لكن هنا شركات الانتاج والتلفزيون يفتشون على اليد العاملة الغريبة الرخيصة غير المتخصصة، للأسف كما هي الحال في الادب والسياسة والموسيقى والصحافة ايضاً، مين ما كان صار صحافي ومين ما كان صار مخرج….
يشير الى لوسي بورني بيوك المخرجة المنفذة فيما هي تلتقط لنا بعض الصور: انظري اليها هي وفية لعملها لكن لا تعطى لها فرصة…
قلت له: لكن حالياً فرصتها مهمة جداً مع المخرج سمير حبشي…
شفتي وين القصة.
هل من يريد ان يكون محترفاً يجب أن يسافر الى الخارج للتخصص؟
ليس بالضرورة، لكن التجربة مهمة، لا تزال الدراما والسينما لدينا شابة يلزمها اشخاص لتكتمل الكوادر، إلا أننا نحاول ايجاد صيغة يعملون ضمنها، قد تجدين من يعمل في الدراما اليوم غداً تجدينه يبيع بطاطا..
لوسي بورنيبيوك: بشرفك في اهضم من هيك؟

كذلك الامر في الصحافة يعتقدون كل من يحمل الكاميرا والمسجلة أصبح صحافياً.
البعض يقول أن ال professional يطلب أجراً مرتفعاً؟

هذا حقه، ألا يحق للانسان ان يعيش بكرامة بعد مرور 20 سنة على العمل في لبنان!؟

في هذا المسلسل، أبناء وقتلة، ماذا تخبرنا عن الاضاءة، هل كان هناك من تعقيدات معينة؟
ادارة التصوير كما في كل الاعمال هي معقدة، لكن بالنسبة للمحترف، لا يوجد شيء صعب أوسهل انما هناك رؤية يعمل على تنفيذها لايصالها الى المشاهد بحرفية تلائم الفلسفة الموجودة في النص، ووضع الممثلين في أجواء الصورة الصحيحة ، مهمة DOP ليست منفصلة عن مهمة الممثل والمخرج ومهندس الديكور، العمل جماعي وكل واحد يضيف ما لديه الى العمل، لا أحد يستطيع ان ينفذ المسلسل لوحده. الدراما السورية او المصرية “لي خاوتينا فيا” برأيي هي متخلفة لا تزال في القرون القديمة، كلما تنقلت بين القنوات تظهر الدراما السورية أمامي مثل الحلم المزعج، فيها قلة ذوق وهي خالية من اي جمالية وبحث ورؤية، يتهيأ لك أن كل المسلسلات مصورة في المكان نفسه والكاتب نفسه، المهم لديهم أن يكون صوت الممثل مسموعاً، هذه قلة المعرفة والثقافة وأختصاصية ومفهوم خاطىء، التلفزيون أهم من السينما.

أجواء هذا المسلسل بوليسية، هل يشبه 10 عبيد زغار؟
غير concept، غير approach غير مخرج غير مدير تصوير.

لماذا اجر الممثل السوري أو المصري أغلى من اللبناني؟
لان أصحاب المال يريدون ذلك، انها تجارة، خصوصاً شركات الانتاج الخليجية، يعملون matraquage ويقولون هذا الممثل أفضل .
تقصد يعملون droguage لادمغة المشاهد.
صح.

لكن في مسلسل وأشرقت الشمس كان هناك مشاركة للمثل السوري باسل خياط، والشركة المنتجة لبنانية.
أنا لا أجد مثلاً أن باسل خياط أفضل من نيكولا معوض. لنضع الاثنين سوياً ولنرى من منهما الافضل.

فاذاً، مهمة الدراما اللبنانية التركيز على الممثلين اللبنانيين؟
أكيد، على النوعية، انا متحزب للبنان والدراما اللبنانية،
( ينظر الى الفريق الذي كان موجوداً في موقع التصوير)
انظري ما أجملهم هؤلاء الشباب عندما تضعينهم ضمن الاجواء الصحيحة، لكنهم كما ذكرت يحتاجون الى فرصة.

وانا أيضاً داعمة للدراما اللبنانية. لكن لم تقل لي لماذا الممثل العربي أغلى اجراً؟

هذا عمل ” مافيوزي” ” بلطجية” بماذا أكبر ممثل سوري أو مصري أفضل من غبريال يمين، أو اي ممثلة أفضل من ديامان ابو عبود!؟

ربما لان الدولة تدعمهم؟
ليست الدولة، هذه مافيا، بلطجية، سرقة.

سرقة من قبل من؟
تسويق أشخاص وتغييب أشخاصٍ آخرين. من قبل التلفزيون والصحافة، هذا التسويق الاعلامي مثيل للسرقة، أنت صحافية تعلمين ذلك. وهذه من احدى القصص التي دخلت فيها الصحافة الترويج لشركة الانتاج التي تملك المال خصوصاً الخليجية منها.

أما المخرج سمير حبشي، وفي دردشة أثناء تحضير الديكور لمشهد آخر فقال: هذه الرواية تحمل عنوان “محنة البريء” من أجواء آغاتا كريستي وتدور أحداثها حول امرأة متسلطة تتبنى اولاد وتربيهم تربية قاسية، تقتل ويتهم ابنها …

هذه اول مرة تخرج قصة بوليسية؟
نعم، معي ممثلون ممتازون، وعلى رأسهم ديامان ابو عبود وغبريال يمين الذي يلعب دور المحقق الاساسي الذي يحقق في القضية. هو نوع جديد، انا لا اؤمن بالدراما التي ( تحكي شو ما كان) أنا اؤمن بالدراما ثقافياً التي تنتمي الى الارض، لكن هذا مختلف كلياً فقلت لم لا، لنحاول، النوع جديد لاعلاقة لما قمت به في السابق. حسب المضمون نبني الشكل، لذا، ستجدين اسلوباً مختلفاً نوعاً ما من الناحية الإخراجية، لان القصة تقتضي ذلك، الممثلون المشاركون فيه ممتازون ومدير التصوير ميلاد طوق مهم جداً ، لذا، نحاول أن نعمل صورة لا تشبه المسلسلات اللبنانية بل تشبه آغاتا كريستي ، سيتفاجأ الناس بها قد يجدونها قاسية.
هل تتوقع له النجاح؟
لا أعرف ماذا يحب الناس، لكن اتوقع ان المشاهدين المثقفين سيحبونه كثيراً.

تقصد للنخبة، كما سبق وقلت عن مسلسل “ولاد البلد”؟
هذا أصعب، المشاهد الذي يهمه التمثيل الحقيقي والجو والمناخ سيعجبه، هذه القصة صعبة على الجمهور العريض الذي يشاهد ” شو ما كان”، ستختلط عليه الامور، أو أنه سيميّز أن هذا مختلف، لا أعرف.
هذا اول تعاون لك مع الكاتب عبد المجيد حيدر، ومعروف عنك أنك تغيّر في النص هل غيّرت؟
نعم هذا اول تعاون معه، النص جيد لا تنسي انه مقتبس عن قصةٍ معروفة. واذا وجدت أنه من الدواعي في تغيير لتحسين النص قد افعل لا مشكلة في ذلك>

في مقابلة سابقة مع نيكولا معوض قال لي لو لم يكن سمير حبشي هو المخرج لما تجرأت وقبلت العمل، ما هو تعليقك؟
هذا مسلسل صعب، كثير من الممثلين خاف منه ورفضوا اللعب فيه، ممكن يطلع مضحك وممكن قوي، اصلاً الموضوع قاسٍ، مثلاً لا يجب أن يشاهده الأولاد لانه يتخلل مشاهد جريئة وقاسية، أشخاص يعانون من عقدٍ نفسية وأمور غير طبيعية مثل العنف>

هل اعتبرته تحدياً؟
كلا، إعتبرته تجربة جديدة.

اما نيكولا معوض فيقول عن دوره: يعيش قصي في صراع يريد الخروج منه يغرم بأمل ويجدها المنفذ الوحيد له في الحياة، الدور مركب وصعب وانا سعيد لانني ألعبه بادارة سمير حبشي، النص جميل جداً لكن فيه الكثير من الخطورة لو وقع في أيدٍ غير أمينة كان من الممكن أن يبدو مبتذلاً vulgaire ، لذا عندما علمت أن سمير حبشي هو الذي سيخرج العمل وافقت على الفور لانني أعرف كيف سيظهر الصورة.

انه من النوع البوليسي، هل تعتقد ان المشاهدين سيحبونه؟

أتخيّل أن هذا المسلسل لديه جمهوره الخاص، لا شك سيتمتعون بهذا العمل، كما أنا سعيد لانني أعمل مع اساتذتي في الجامعة.

هنا اخذ الجميع break لبعض الوقت وكانت الشمس قد غابت فعدت الى بيروت حاملة معي انطباعاً رائعاً حول فريق عملٍ يجاهد في سبيل ايصال الدراما اللبنانية الى مركزٍ يليق بها.
كمشاهدة متابعة للدراما اللبنانية، كتبت هذا التقرير بعد أن تابعت الحلقات الثلاث الاولى بكل دقة، حاولت البحث عن أي ثغرة أو خطأ يذكر، لكن للصراحة لم أجد إلا الإحترافية التي كانت موجودة في كل التفاصيل، بدءًاً من أداء الممثلين الى الإضاءة الى الماكياج الى الديكور.. للصراحة، اجواء آغاتا كريستي الباردة والقاسية كانت حقاً حاضرة بقوة.

سميرة اوشانا
(مجلة الهديل)