YOUTUBE
Twitter
Facebook

18814248_1714263355254630_8601879121512129542_n

“أنا بكتب لأنني بدي وصل رسالة من خلال كتابتي، وهيدا العمل  رح يفرجي أن المغتصب لن يكون مرتاحاً ولا سعيداً لا بل عذابه يفوق عذاب الفتاة التي تعرضت للاغتصاب…”

هذا ما قالته كاتبة العمل كلوديا مارشليان في “دردشة هاتفية” فكانت  نهاية مرتكب جريمة الاغتصاب مأساوية فحكم على نفسه بالاعدام.

كما الاعلان الذي كانت طريقته غير عادية (نادين الراسي خلال اطلالةٍ لها في برنامجٍ تلفزيوني، أعلنت عن بدء تصوير مسلسل يتناول قضية الاغتصاب بطريقة ثائرة)  كذلك النتيجة كانت صادمة.

تشخصت أنظار المشاهدين الى تاريخ بدء شهر رمضان وبالتالي بداية عرض مسلسل “ورد جوري”. كل واحد انتظره لسببٍ يخصه وحده، هناك  من يريد متابعة موضوع القضية وكيفية معالجتها، وآخر  لانه يحب أبطال العمل (نادين الراسي وعمّار شلق ورولا حمادة وغبريال يمين وأسعد رشدان وستيفاني عطالله ورودريغ سليمان وكارلا بطرس وغيرهم) ومنهم من  يعشق كاميرا سمير حبشي وصورته المبدعة وينتظر ابتكاراته…  تعددت الاسباب… والانتظار واحد…  فجاءت نسبة المتابعة غير  قليلة في ظل المنافسة الشرسة لا سيما في الاعمال الدرامية اللبنانية التي كثفت جهودها لتثبت وجودها كمنافسة  يحسب لها الف حساب في مواجهة الدراما العربية.

قطعة الحلوى تسرق سعادة روان

18766079_1710291902318442_5389343184550120007_n

بدأت الحكاية في شارعٍ ضيق يتسع لركن سيارةٍ واحدة، في بيتٍ منفرد تسكن فيه عائلة جوري التي كانت تنتظر نتيجة ابنتها العبقرية ومشروع جوري الوردي، عائلة ظهرت لنا أنها متضامنة، مؤلفة من أبٍ وأم وثلاث أولاد، الى جانب هذا البيت العائلي المتواضع والسعيد، بناية سكانها مؤلفون من عجوز (جورج دياب) يعيش وحيداً تعطف عليه (روان) ستيفاني عطالله، ورجل خرج من السجن حديثاً (غبريال يمين) وجار غير “حشور” (مخرج العمل سمير حبشي الذي خص العمل بتوقيعه وذلك  باطلالةٍ خاطفة له وهو يدخل منزله الكائن في ذلك المبنى الشاهد على أحداث هذا العمل).

index

كاتبة العمل بعثت رسائل عدة في “ورد جوري” المؤلف من 30 حلقة وكلها قضايا انسانية – اجتماعية ” قضية الاغتصاب لم تكن وحيدة التي أثيرت هنا، بل رافقتها قضايا عدة، حبكت بطريقة مترابطة فكانت          chef-d’oeuvre  كلوديا مارشليان بعد “باب ادريس” و “لونا”       و”الشقيقتان”.

بدأ ايقاع المسلسل من مصيبة الفتاة القاصر، التي كانت هي المحور الاساسي لكل الرواية، هذه الفتاة التي أرادت أن  تكتمل فرحتها  بنتيجة نجاحها،  بمشاركة ذلك العجوز الوحيد في منزله، وذلك بتخصيص قطعةٍ من الحلوى وأخذها بنفسها الى بيت جارها الذي غفي على كرسي بانتظار قطعة الكاتو التي وعدته بها، لكن ما حصل معها تلك الليلة  شوّه وحشا الظلام جسدها وليلها وسهرتها، فكانت  الضريبة غالية جداً والفاتورة التي دفعتها ثمينة كلّفتها حياتها واستقرارها وخطفت سعادتها وغيّرت حلمها الذي رافقها طوال سنين دراستها لتصبح طبيبة “قد الدني” فتحوّل الى انتقام يريّحها من “البلاطة” التي ألقيت على صدرها وفك الحبل الذي كان يخنقها، ولازالة الضغوط النفسية كان عليها أن ترمي بخاطفي عذريتها في السجن.

ورد جوري

ينزع النجومية من نادين الراسي ويجيّرها لستيفاني عطالله

 18301259_1692727614074871_4167983789717442964_n

“ورد جوري” الذي حمل اسم شخصية البطلة التي لعبت دورها نادين الراسي التي وبعد النجاح المبهر لدورها وأدائها في العمل الذي سبقه “الشقيقتان”، كثيرون توقعوا إبداعاً يتخطى الشخصيات التي سبق ولعبتها. ان كانت في “لونا” أو “آماليا” وغيرها من الاعمال الناجحة التي صقلتها ووضعتها في المرتبة الاولى من بين نجمات لبنان،  لكن كانت صدمة الجمهور الذي  انتظر منها الكثير كبيرة، فكان أن وقعت نادين بغلطة  الشاطر المكلفة أي “بألف”، فكان تراجعها كبيراً، الامر الذي يدعي الى محاسبة نفسها والعودة للبحث عن نقاط الضعف والعمل على لملة شتاتها وإعادة تأهيل قدراتها التمثيلية والاحتكام الى رؤية وارشادات المخرج الذي لا أعلم اذا كان راضياً على آدائها.

لكن ما هو السبب؟

هل  هو الثقة المفرطة بالنفس بعد الفوز الساحق لدورها في أعمالٍ سبق وقدمتها كما ذكرت “الشقيقتان” و “لونا” و”آماليا”  فاطمأنت على مرتبتها واعتبرت أن المشاهد اعطاها لقب الممثلة الاولى وبالتالي  سيتقبلها كيفما بدت؟

أم أن “الخسة” التي غالباً ما تمس عقول البشرية واعتبرت نفسها أنها لا تحتاج لادارة مخرج، فأخرجت لنفسها؟

أم أن السبب كان قوة آداء الممثلة الشابة المقابلة لها، التي سبق وعملت في مسلسل “صدفة التقينا” من اخراج ميلاد الهاشم (لم يعرض بعد) وعلى خشبة المسرح، “كواليس” لجورج خباز، هو الذي طغى على آداء نادين فظهرت الهوة بين “الشقيقتين” القريبتين من بعضهما، وكانت منافسة خطيرة هزّت عرش “الممثلة الاولى”؟

قال لي يوما الممثل الكبير نقولا دانيال”مهما بلغت خبرة الفنان إلا أنه يشعر بالخوف وكأنه يمثل للمرة الاولى لدى قيامه بدور جديد ويبقى قلقاً حتى إتمام العمل وعرضه وضمان نجاحه. هذا ما قاله “الحاج”، لكن هل ممثلو هذا العصر جميعهم يفكرون بالطريقةٍ نفسها؟

قبل أن يفلت التصنيف من يدها، على نادين الراسي مراجعة آدائها واعتبار نفسها ممثلة مبتدئة لدى مباشرتها باي عمل كي تبدو لمشاهديها ومحبيها أنها لا تزال نجمة محترفة، وثقتهم بها لا تزال في مكانها، ولن تخيب أمل “فانزيها”.

  شمس رولا حمادة تغيب وغبريال يمين بطل العمل

 18767945_1714271905253775_5845130159810897093_n

القصة التي كتبتها كلوديا لم تتناول قضية الاغتصاب فقط، ما يعني لم تكن وحدها ستيفاني نجمة العمل، انما رولا حمادة ايضاً التي لعبت دور سيدة أعمال ثرية وعاشقة وأم لولد مراهق طائش شخصيته ضائعة وضعيفة تتحكم بها مجموعة من الزعران، أم فقدت زوجها وتحمّلت وحدها عبء تربية روي (حسن عقيل)  أرادت تعويض صورة الوالد بوجود صديق فرضت عليه أن يلعب دور الوالد لابنها قبل أن يكون عشيقاً لها.

18765930_1714266891920943_632022277669502213_n

الابن الذي غالباً ما يرفض وجود رجل غريب في حياة والدته، لم تكن تربيته سهلة فغرقته والدته بعاطفةٍ مفرطة بغية الحفاظ عليه سليماً، فضاع منها كل شي وهزّ استقرارها بعد أن  كانت تملك كل شيء، من مال وولد وحبيب وعمل ومحامين يلبونها بسرعة البرق، وصولاً الى زعران يصفون مهددي ابنها المدلل، الذي اعتبر نفسه أنه فوق القانون رافضاً العقاب، وهي التي اعتبرت أنها تستطيع أن تشتري براءته وسعادته، فوجدت أن المال الذي كان  بنظرها أنها تستطيع من خلاله شراء  الضمائر والنفوس، لم يجلب لها في نهاية عدم المعالجة الصحيحة للجريمة التي ارتكبها ابنها،  الا التعاسة والخسارة لانها  نسيت أنها لا تستطيع شراء طالبي الثأر، تاهت عنها هذه الامور  فكانت خسارتها كبيرة: “حب حياتها وأبنها وذاتها.

هذه رولا حمادة التي لم تقنعني في بداية انطلاق المسلسل الا أنها عوّضت في منتصف ونهاية حلقاته لتستعيد المجد الذي نالته في “وأشرقت الشمس” وغيرها من الاعمال التي سجلت نجاحات سابقة لها، لا سيما لدى لطم وجهها بصفقات أرادتها قوية لتشعر بالألم الذي تعتبر أنها تستحقه.

18582460_1703086639705635_2609872052093346910_n

أيضاً وايضاً، لا نزال نتحدث عن نجوم العمل، لم تكونا وحدهما بطلتي العمل انما شاركهما البطولة الممثل الذي يلتقط المشاهد من أمام شاشته الصغيرة المميّز غبريال يمين، الذي لعب دور الوالد الذي خسر ولديه  إثر دخوله السجن فخرج ليبحث عن عائلته المفقودة وزوجته التي سلكت طريق كثيرات ممن يتعرضن لرواية مماثلة باللجوء الى رجل تحتمي به وبأمواله.

مشكلة السجين لدى انتهاء عقوبته وولوجه الى سجنٍ أكبر المجتمع الخارجي وعقده، تناولتها الكاتبة بشقين: انساني تائب يريد أن يستعيد حياته الطبيعية والعمل بكرامته،  وسجين آخر نوعاً ما فوضوي (طوني عاد) الذي لا يجد فرصة عمل فيلجأ ليكون اداةً بأيدي “زعرانٍ” متفلتين من العدالة.

18813423_1716350491712583_8532263594124775520_n

كذلك،  تطرقت  الكاتبة في سياق الاحداث الى نوع من  المحامين الذين يستغلون مآسي وكلائهم (مصائب قوم عند قوم فوائد)  ويعتبرونها فرصة العمر بالنسبة اليهم، (باخد قرشين محرزين وبسافر وبعيش حياتي مع عيلتي خارج البلد) وكأنه اذا كان بعيداً بالجسد عن الجريمة التي باع ضميره من أجل معالجتها، سيكون مرتاحاً اذا بعد… هكذا تناولت قضية  المحامين غير الصادقين والعصابات وتصفية حسابات فردية …

كذلك، مسألة استغلال أشخاص ذات الاحتياجات الخاصة  كدور شقيقة عمار شلق الذي لعبته (نتالي سلامة) بدور فتاةٍ عمياء، أوهمها رجل بحبه لتقع فريسة مشاعر كاذبة.

 18835950_1716359128378386_6256640314775700671_n

كذلك، ردة فعل الاب الذي ثار ثم خمد وخاف على عرضه في مواجهة المجتمع لدى تعرض ابنته المدللة للاغتصاب معتبراً الامر اهانة له ولشرفه كرجل لعائلةٍ محافظة على القيّم والاخلاق الاجتماعية في بيئة متوسطة الحال، والذي لعب دوره الممثل (أسعد رشدان) بطريقة مقنعة،  يكفي أن تجعل الكتّاب يكتبون الادوار الاولى لهذه الفئة العمرية من الممثلين، لانه برهن أن الممثل الذي يشد المشاهد هو بقوة أدائه وليس بشبابه وزرقة عينيه وعضلاته المفتولة…  

 18118564_1679768758704090_7177964540862596954_n

لكن، ما لم يقنعني في هذا العمل، العلاقة السريعة التي نشأت بين من كان من المفترض أن يكون عدوها (عمار شلق، الذي لا يزال محافظاً على كاريزمته كممثل مقنع ومن الصف الاول)، وهو صديق عائلة مغتصب شقيقتها، الذي تخلى عن حبيبته الثرية التي أعطته كل شيء في أول مشكلةٍ صادفتها. على الرغم من محاولة الكاتبة تبرير ابتعاده عنها، بإخفاء أفعالها غير القانونية عنه.  وجوري  التي تخلت بدورها  عن خطيبها العصبي والغيور الذي لعب الدور (رودريغ سليمان) أمام أول مشكلة عارضتهما.  

18221678_1686295218051444_4043123750875483694_n

لهذا، لم أتأثر بقصة حبهما الخالية من الرومانسية والتي نشأت في ظروفٍ غير اعتيادية.

كذلك، تابعت الكاتبة تسليط الضوء على مشكلة الحمل خارج نطاق الزواج التي جعلت الخطيبين الاسراع في الزواج، نتيجة العلاقة التي كانت تجمعهما قبل الزواج ما اضطر  شقيق جوري (جان دكاش)  الى الزواج من  خطيبته ( ناتاشا شوفاني)  قبل ظهور الفضيحة في مجتمعٍ لا يؤمن بالعلاقات خارج نطاق الزواج. كذلك حب المديرة (أنطوانيت عقيقي) للاستاذ وسلوكها غير الاخلاقي تجاه روان وجوري.

أما كارلا بطرس فكانت مقنعة بدورها كإمرأة أرادت أن تؤمن حياةً كريمة لولديها حنى لو كان الثمن الزواج من رجل يكبرها سناً. وعلى الرغم من ظهور زوجها مجدداً في حياة ولديها.

18814262_1717683671579265_6066243349443779214_n

مواضيع عدة تناولتها مارشليان لكنها جميعها مترابطة بطريقةٍ سلسة وحبكة مشدودة أجاد مخرج العمل تنفيذها بأسلوب سينمائي متقن وراقٍ.

في هذا العمل بالتحديد التصفيق كان للمشاهد التصويرية المتقنة والتنفيذ والمونتاج والجو العام الذي يشد المشاهد لاحترافية العمل.

العمل بأكمله صور باحترافيةٍ عالية، ولكن بعض المشاهد سجلّت نقاط قوة أكثر من غيرها ومنها:

مشهد الاغتصاب الذي لزمه جلسة مع المخرج والممثلة لدقة تنفيذه كما ذكرت ستيفاني.

مشهد تصوير المنزل من البعيد وتسليط الصورة على مكان الحدث وايصال الرسالة الى المشاهد من خلال الكاميرا.

مشهد دخول روي المحكمة وردة فعل روان.

مشهد رولا حمادة وهي تضرب نفسها.

مشهد الابن وهو يعلق مشنقته ومقارنته  بإحتفال إفتتاح محلٍ “ورد جوري”.

العمل بأكمله يعتبر ناجحاً لولا بعض الاستلشاء في الاداء التمثيلي،

تقنياً وكتابياً “ورد جوري”  من أنجح ما كتبت كلوديا مارشليان وأخرج سمير حبشي  الذي يعيش مرحلته الذهبية في عالم الاخراج الدرامي.

 18814076_1716361008378198_5563122046280858233_n

سميرة اوشانا

 

اقرأ الآن