YOUTUBE
Twitter
Facebook

21730978_10159497112070037_7852080763967286035_n

كان عنّا بالضيعة مجنون.. متل بكلّ الضِيع.. ما حدن بيعرف مظبوط شو قصّتو.. منّن بقولو إنو وقع ع راسو هو وصغير هو وعم بعربش ع السنديانة قدّام الكنيسة.. ومنّن بقولو أنو لاقوه مزتوت حدّ براميل الزبالة لمّن كان عمرو يومين.. ومنّن بقولو أنو قعد كتير تحت الشمس وأكلها ضربة شمس قوية.. النتيجة واحدة.. صار مجنون الضيعة…
كنا نخاف منو وقت كنا صغار.. كان شعرو منكوش.. تيابو مهلهلة.. صبّاتو مخزّق.. بيمشي وبيحكي لحالو.. وأوقات بيضحك لحالو.. عيونو بخوّفو.. كلّن غضب.. كلّن أسرار.. كلّن خبار هو وحدو بيعرفا.. وكنا كلّ ما نشوفو جايي صوبنا.. نبلّش نركض وما نعود نوقّف ولا نطّلع ورانا الاّ ما نوصل علْ بيت…

وهونيك نهار أحد.. بعدما خلص القداس.. وطلعت الناس من الكنيسة.. سمعنا صريخ قوي.. وشفنا جارتنا سلوى عمْ تركض علْ طريق حافية.. وهي عم توَلْوِل.. “دخيلكن.. لحَقوني.. بنتي..”. واطلّعنا صوب بيتا.. وشفنا النار واللّهب عم تطلع منّو.. والدخنة السودا متليّي السما الزرقا…

ما حدن استرجا يتحرّك.. أو يمكن.. ما حدن كان بدّو يتحرّك.. أهل الضيعة ما كانو يحبّو سلوى.. كانو يقولو عنّا مرا عاطلة.. ما كنت إفهم شو يعني.. بس كنت واقف ومصدوم.. عم شوف سلوى عل أرض.. منهارة..وجّا أسود متل الدخنة الطالعة من بيتا.. ودموعا عم يكرجو ع وجّها.. دموعا عم تخنق صوتا يلّي استسلم لهلْ واقع.. وكأنها عارفي شو ناطرا.. وما قادرا تعمل شي…

كان قلبي عم يعصر ع مصير الطفلة جوّا.. ومني قادر ساعد.. وزحت نظري صوب البيت يلّي عم تاكلو النار.. وشفت من بين الدخنة متل خيال.. شفت مجنون الضيعة طالع من البيت الشعلان وحامل طفلة على صدرو.. كان لاففها بشرشف مبلول بالميّ.. و وجّو كلّو شحتار.. قرّب من سلوى.. وناولها بنتا.. وابتسم.. وبَرَم.. ومشي صوب البيادر…
اطلّعت بسلوى.. كانت عيونا عم تضحك..كانت عيونا عم تبكي.. بدّا تقول كتير إشيا… إشيا ما حدن فِهِما.. الاّ هيّي ومجنون الضيعة…
كنا مفكّرين المجنون مجنون.. طلع المجنون أعقل واحد فينا.. وأكتر واحد عندو انسانية وشجاعة.. أكتر واحد عندو إيمان.. بهل إيام يلّي ما بقى فيا كتير إيمان…
زرت الضيعة بعد شي تلاتين سنة.. وكنت عم إمشي بين البساتين وبتذكر الإيام الحلوي يلي عشتا بالضيعة.. وشفت صبية حلوة راكعة عم تحطّ باقة ورد ع مدفن وعم تصلّي.. قرّبت منا وسألتها.. “انتي بنت مين؟.. هيدا مدفن أهلك؟”.. قالتلي : “هيدا مدفن مجنون الضيعة.. كل سنة بهل النهار بجي بزورو.. وكل سنة بهل النهار بِرْجَع بِخْلَق من جديد”…
كفّيت طريقي.. والبسمة ع وجّي.. وحسيت كأنو في روح حدّي عم تتطلّع فيّ وعمْ تبتسم.. روح نايمة بسلام.. روح عِطْيِت لحياتها معنى.. ولو كانت مجنونة…

 
رمزي سلوان

اقرأ الآن