YOUTUBE
Twitter
Facebook

11

ان ميزة  المسرح عن الفنون الاخرى أي  التلفزيون والسينما لا تكمن  فقط  بالتواصل المباشر  بين الممثل والمشاهد، انما ما يميّز المسرح عن باقي الفنون، فهي الجرأة التي يطرح فيها المواضيع وتجسيد شخصيات الرواية.

للمسرح سلطة، فهو سلطان متعجرف وحرّ، لكنه غير مستبد، انه يختار هويته وجنسيته وجمهوره، وذلك من خلال ما يطرحه على الخشبة التي تحمل ثقل تفكير الكاتب ورؤية المخرج وحركة الممثلين.

واضح ان الحركة الفنية ناشطة وتسير على ايقاعٍ سريع إن كان سينمائياً او تلفزيونياً أومسرحياً.

9

وآخرها مسرحية “القفص” التي تنقل أفكار الكاتبة المعروفة بجرأتها جومانا حداد، والتي أعدتها وأخرجتها لينا ابيض التي أبدعت بتفريغ الشخصيات وادخالها ببعضها لتلتقي في عيادة طبيبٍ  اثاثه أسرة تلقي بأجسادها عليها  وتخرج ما بداخلها من وجع مكتوم وذلك  من خلال مونولوج مؤثر .

وجسدتها رندة كعدي، مارسيل أبو شقرا، ديما الانصاري، دارين شمس الدين، ميرا صيداوي.

سيدات جريئات الى حد انقطاع النفس. نعم، انقطع نفس الجمهور مراتٍ عدة، وبلع “ريقه” مراراً، لانه وجد نفسه في شخصيةٍ من احدى الشخصيات الخمس المطروحة علناً، اللواتي تحدثن بصوتٍ مرتفع وبوجع صارخ وأليم.

14390649_10153989275536275_7681325352877703569_n

 

بعد مرورهن وسط الجمهور مرور المغرورات غير الخائفات والمتحدات بالألم والمستعدات للتحدي،  بدأت المسرحية مع المرأة “المنقبة” “ديما الانصاري”  التي باسم الدين والتقاليد والمجتمع ينقطع نفسها لدرجة الاختناق في حين هي امرأة مليئة بكل مشاعر الانوثة الصارخة. فبات رداؤها الاسود التي تعرف ان البعض يقول عنها أنها تشبه بردائها  “كيساً من النفايات” والبعض الآخر يناديها بال “نينجا”، هي سجينة في هذا القفص الذي اذا ما تجرأت وحطمت اسواره، يهدر دمها.

1

أما مشهد المرأة التي  تكره جسدها بسبب البدانة تروي وجعها ” دارين شمس الدين” في حين هي امرأة ممتلئة كانت في الماضي القريب امرأة مثيرة ونجمة أغلفة. عقدتها والدتها التي كانت تعيرها بشكلها الذي يبعد المعجبين عنها.

5

أما المثلية “ميرا صيداوي” التي اعتبرتها أكثر جرأة والاكثر رفضاً من المجتمع الذي يرى فيها شذوذاً مرفوضاً، هي مغرمة بصديقتها لكن هذا لا يعني انها تغرم بكل امرأة تلتقي بها بل هي مخلصة لشريكتها  والعلاقة التي تربطهما حق لهما تماماً كما يغرم الشاب بالفتاة. نقل هذا المشهد والايحاء بالاحاسيس التي تعتريها ليس سهلاً على خشبة مسرحٍ شرقي في مجتمع منقسم الى قسمين، قسم يتقبل الآخر ويتفهمه وآخر يرفضه ويعتبره لعنةً وشذوذاً وايضاً واجب رجمها.

14650242_1810820875859467_1804178123250083789_n

أما المرأة العانس التي تلعب دورها الممثلة التي شدتني منذ مرورها الاول بنظرتها الخارقة وهي تخرق صفوف الجمهور “رندة كعدي”، لأول مرة لم يرف جفني ولو لثانيةٍ واحدة لدى مشاهدتي عملاً مسرحياً،  اردت امتحان جرأة هذه الممثلة العاقلة، لا بل أدخلت نفسي في معركة التحدي مع قدراتها، وأردت اكتشاف حدود قدرتها التمثيلية، فهذه اول مرة أشاهدها على خشبة المسرح، وصفقت لها كثيراً وبقوة. نقلت  بصوتٍ مرتفع معاناة “العانس” في مجتمع عاجز عن التفكير بأن المرأة ليست مجرد جسدٍ. والجسد ليس سجناً، انما المجتمع هو الذي يجعل منه قفصاً.

2

أما “بائعة الهوى” لعب دورها مارسيل ابو شقرا الذي أدهشني بأدائه وخفة ظله وهضامته. نقل الحقيقة التي يخفيها المجتمع. أليست بائعة الهوى كاتمة أسرار أهم رجال ووجهاء المجتمع.

14695581_10154052164546275_9019152532334063317_n

ماذا أقول عن هذه المسرحية التي أرهقتني بمواضيعها المطروحة على الأسرة داخل عيادة طبيبٍ يستمع الى مشاكل النساء السجينات داخل جسدهن، كما أضحكتني، وأتعبتني بالمتابعة الدقيقة لها، لم تسمح بأن يغفل جفني أو يتوه سمعي الى أي مكان، بل شدتني من بدايتها حتى النهاية من دون أي ملل.

49759dcb73a7ecc1

وهكذا، تحدّت جومانا حداد منتقدي كتاباتها التي يعتبرها البعض وقاحة، بنقل افكارها على المسرح، فاختارت جمهورها. تماماً كما اختارت قراءها، جمهورها هو لا شك من النخبة، وحده المثقف المتحرر من كل القيود يذهب لمشاهدة هذا النوع من الاعمال غير التجارية والهادفة، والهدف منها، إخراج المرأة من الزنزانة التي وضعها المجتمع فيها رغماً عنها.

جمهور هذه المسرحية قوي لا يختبىء خلف الاوهام… جومانا حداد اختارت والنساء رفعن صوتهن. ومسرح “المترو” كان جاهزاً لعرضها.

وهكذا استطاعت جومانا حداد نقل جرأتها الكتابية وأفكارها المتحررة على خشبة المسرح.

IMG_8340

IMG_8342

 

سميرة اوشانا

 

اقرأ الآن