YOUTUBE
Twitter
Facebook

في الوقت الذي لا أزال أتابع سلسلة “The Crown” على منصة نتفلكس، ومسلسل “رصيف الغرباء” طبعاً لا مجال للمقارنة، على شاشة المؤسسة اللبنانية للارسال و”حادث قلب” على تلفزيون ال MTV، مزاجي اليوم اختار أن أكتب عن مسلسل “ع اسمك” الذي عرض فترة الميلاد.

كتابة الخبر تتطلب من الصحافي أن يكون في جهوزيةٍ دائمة، لكن تقييم عملٍ فني بالنسبة الي يتطلب مزاجاً كتابياً كي أكون منصفة في تقييمي وسردي لما شاهدت وسمعت.

ولمزيدٍ من المصداقية، ولو بعد مرور نحو شهرين على نهاية المسلسل، إلا أن مشهداً لا يزال عالقاً في ذاكرتي، ما يعني أنه لا يجب إهمال عملٍ حفرفي الوجدان.

 

المزاج الكتابي

يحق للكاتب أن يتناول قضيةً معينة أو حدثاً معيناً حتى ولو كان يشكل حالة واحدة بين خمس ملايين نسمة، يثيرها ويحيك حولها قصصاً ترتبط بها ارتباطاً وثيقاً. كما فعلت الكاتبة كلوديا مارشليان في “ع اسمك”.

ان نجاح مسلسل “ام البنات” في الزمن الميلادي، مهّد الطريق أمام فكرة اعتماد أعمال درامية مخصصة لهذه الفترة المجيدة، فكان “ع اسمك” مشروعاً درامياً بامتياز تبنته شاشة ال MTV.

استمرت الشركة المنتجة بتعاونها للمرة الثانية على التوالي مع فريق عملٍ “ام البنات”، معتمدةً على الرايتنغ الذي حصده أثناء عرضه.

 

اجهاض الامومة

 

عندما أعلنت الممثلة العالمية أنجيلينا جولي قبل نحو 5 سنوات عن استئصال المبيض كاجراءٍ وقائي، في خطوة جريئة واستباقية للوقاية من خطر الاصابة بالسرطان الذي أودى بحياة والدتها، للحفاظ على حياتها من أجل اولادها.

أيّد البعض خطوتها واعتبرها شجاعة، والبعض الآخر خالفها الرأي.

أما الكاتبة هنا فقد  أثارت هذه المعضلة ودخلت منزل عائلةٍ  خطف مرض السرطان منها سيدة البيت وابنتها، وابتكرت شخصيات جعلها المخرج فيليب أسمر من لحمٍ ودم.

بعد أن توفيت زوجته وابنته، وخوفاً على خسارة ابنتيه الاثنتين، يطلب الوالد (أنطوان بلابان)  منهما اجراء عملية استئصال الرحم للحفاظ على حياتهما. غافلاً  أنه بهذا القرار الذي من الناحية الطبية قد يكون سليماً، انما اجتماعياً وانسانياً فهو يقتل ابنتيه وهما على قيد الحياة.

 

إلا أن”جود” (كارين رزق الله)  قبل انقاذ حياتها من الموت المحتم، تأخذ قراراً جريئاً وتسافر الى فرنسا لإجراء عملية التلقيح الاصطناعي لتنجب طفلةً اسمتها ميريام  متل القمر ( تالين ابو رجيلي) وتنقذ أمومتها قبل تنفيذ حكم الاعدام بحق أنوثتها.

هنا في هذا القرار المتخذ من قبل الوالد والذي فرضه على ابنتيه، تواجه العائلة 3 أنواع من المشاكل، أولها صحية من دخول المستشفى واستئصال الرحم ثم الامومة  المسلوبة  والأهم المشكلة النفسية التي عانى منها  كل أفراد العائلة لا سيما ابنته “صولانج” التي أبدعت فيفيان انطونيوس في تجسيد دورها.

 

للمرة الثانية على التوالي وفي الفترة الزمنية نفسها، تابع المشاهدون ثنائية كارين رزق الله وجيري غزال، بعد “ام البنات” هل نجحا هنا أيضاً؟

عادةً، مغفورة تكون  أخطاء الممثل في تجربته الأولى، انما في العمل الثاني، فالمسؤولية تصبح أكبر، والاحترافية تصبح واجباً،  لأن المشاهد الذي أحبه سيحاسب بشدة. كارين على الرغم من صوتها الذي شكّل عائقاً أو ازعاجاً وتذمراً من قبل المشاهدين، إلا أن آداءها المتقن لهذه الشخصية غفر لها مشكلة الصوت، فغض النظر عنها.

أما بالنسبة لجيري  كان عليه أن يكون اكثر مطواعاً في لعبة البينغ بونغ، التي تفوقت عليه كارين بمهنيتها العالية، فبدا أمامها كأنه يحتاج الى المزيد من العفوية.

نجحت كلوديا في نسج القصص حول الموضوع الاساسي للعمل بتناغم وحبكة متجانسة، إن كان بالصداقة التي تربط جود بجورجيت درباس صاحبة المدرسة حيث تعمل، وعائلة اليكو التي تعاني من فقر مدقع، وكرم الذي أراد الارتباط بها، وعائلتها التي تخلت عنها عندما تمردت على قرار والدها. بنية النص مشدودة، ولا لبس فيها.

لم تكن قضية الام العزباء والبحث عن الاسم، الموضوع الوحيد الجريء الذي أثارته الكاتبة، انما حكاية جورجيت درباس مع حبيبها الشاب الوسيم الذي خدعها وسلب أموالها، جعلت من ليليان نمري تخرج من جلدها، وتفجر كل ما لديها من طاقة واحترافية لتسكبها في هذا الدور الذي أعتبرته شخصياً دور حياتها، أو على الأصح، بعد مسيرةٍ فنية طويلة، خرجت كلوديا عن المألوف ووثقت بامكانيات نمري لتسجل هذه الأخيرة بطولة كاسحة، سارقةً كل الأضواء.

أن تقع امرأة بغرام شابٍ ساحر تكبره سناً وبالتالي تقع ضحية خداعه، مسألة اجتماعية، كثيرات يتنكرن لها، كيف لأ وفجأةً وجدت أمامها شاب جماله وحده يجعل المرأة ترتكب خطيئة بمجرد الالتفات اليه.

الى ذلك، وربما الأكثر تأثيراً، كان ابداع غرازييلا طربيه، بدور دوللي التي لم يخطر ببال المشاهد أنها تمثل، هي التي تعاني من مشكلة “متلازمة داون” جسدت دورها بكل احساس، ما جعلت من المخرج  المبتكر فيليب أسمر اطلاق العنان لخياله، فكان المشهد الملك عندما ربطها والدها (عاطف العلم) بجنزير لمنعها من الخروج ليلاً.

كل من عمل في هذا العمل أبدع في تجسيد دوره، من مارينال سركيس العفوية بكل حركةٍ منها الى عاطف العلم  الرائع الذي أتقن دوره بتجسيد وضع الرجل الفقير الذي يعاني من أعباء اسرة أهلكته حتى سيطرة اليأس على نمط حياته المملة، وزوجته ختام اللحام التي تفتقد معرفة التعامل مع ابنتها التي تحتاج الى معاملة خاصة، والرائعة وفاء طربيه ذات الوجه المعبر بكل تفاصيله، الى فيصل اسطواني بشخصية خفيفة بعيدة عن أدوار الشر، فكان ذلك الجار المغرم الذي يهرع لمساعدة جيرانه،  ويوسف حداد المتورط بحب امرأة متزوجة حتى الضلال، ومجدي مشموشي  المتفهم لوضع جود وعلي الزين وشربل زيادة وريتا عاد وتامر نجم الذي رأيت فيه نجماً في المستقبل القريب، ونازلي كاسبيان وتالين ابو رجيلي هدية العيد.

قصص عدة متنوعة ومترابطة تناولتها الكاتبة، فكانت كل شخصية بحد ذاتها بطلة تعاطف معها المشاهد.

 

ما الذي أزعج المشاهد؟

لكن، بعض المشاهدين تذمر، لماذا؟

ربما نظراً للظروف التي يعيشها المواطن بسبب الاوضاع الراهنة وانتشار وباء الكورونا حيث فاحت منه رائحة الموت في كل مكان، جاء هذا العمل حاملاً معه مأساةٍ متنوعة على كل الاصعدة، لا سيما الفقر المدقع الذي باتت تعاني منه شريحة كبيرة من العائلات في لبنان، فكانت الاجواء في غالبتها سوداوية وحزينة. على الرغم من مشاركة الطفلة تالين التي كانت بمثابة حبة مهدىء للضغط النفسي الذي كان سائداً على مدى حلقاته، والاجواء المرحة التي كانت تؤمنها ليليان نمري بشخصية جورجيت. إلا أن السوداوية كانت طاغية.

المشاهد الذي يحب أن يبتعد عن أجواء الحزن في فترة الميلاد واستبدالها بحكايات مفرحة ولو كانت وهمية، يفضل البحث عن سعادة تؤمنها له شاشته الصغيرة في فترة منع التجول.

في النهاية، نستطيع أن نقول أن العمل كان ناجحاً لا بل تفوق على التجربة الاولى، مسلسل درامي متمكن، بدءًا من النص الى الاخراج الرائع وآداء الممثلين كان لافتاً  وعلى رأسهم ليليان نمري وعاطف العلم.

 

سميرة اوشانا

 

اقرأ الآن