YOUTUBE
Twitter
Facebook

في منطقةٍ هادئة وهانئة بالقرب من مستشفى بعبدا الحكومي، هناك مبنى تقضي فيه نساء وآنسات حكم عليهن بالسجن نتيجة أعمالٍ تستحق العقاب.

من عمر 19 الى 65 سنة بدءًا من الدعارة الى تعاطي وترويج والاتجار بالمخدرات وصولاً الى جرائم قتل واستعمال المزور… جرائم متنوعة ارتكبت خارج هذا المكان ليكون العقاب داخله.

عالم آخر، نمط حياة معيّن، تقضيه السجينة داخل غرفةٍ، قد تعتبره عقاباً لحياة الحرية التي لم تعرف قيمتها فاستهترت بها ليصل بها الأمر الى ما هي عليه اليوم لتدفع ثمن آثامها.

ولكن منهن من يرى من خلال هذه الجدران وجه الرب الذي كانت قد حجبته عنهن الغيوم السوداء التي لبّدت حياتهن لتلبسن ثوب الخطيئة، صحوة الضمير أعادت بهن الى التوبة والغفران.

على كل حالٍ ليس أمامهن إلا التأقلم مع الأجواء الجديدة عليهن لقضاء مدة السجن.

هنا السؤال يطرح نفسه، كيف يصنّف السجن؟ هل هو إصلاح أم عقاب؟

جولات ومقابلات وتحليل في هذا التحقيق عله يلقي الضوء حيث الظلام فينير عقول الغافلين عن الحقيقة والضالين في مغريات الحياة فيعيد بذلك القوة لضعاف النفوس.

 

في البداية، طبعاً مع كل الاجراءات الأمنية والقانونية التي مررنا بها وبعد موافقة النيابة العامة على اجراء تحقيقٍ في سجن النساء، اقتصرت الموافقة على حصر المقابلة مع المسؤولين من دون التحدث الى السجينات، لابأس فليكن كذلك.

نزولاً عند رغبة المسؤولين واحتراماً للاجراءات الامنية، تمّ اللقاء مع رئيسة السجن كريستيان أبو ناهض المتفهمة جيداً لوضع ونفسية السجينات والتي رافقتني في تجوالي داخل السجن للاطلاع على “حيث تسكن نساء، خارجات عن القانون”.

 

رأيت بعيني، سمعت بأذني فكتبت بضميرٍ حي

 

ما هو عدد السجينات هنا؟

تجيب رئيسة سجن بعبدا للنساء، السيدة كريستيان أبو ناهض الحائزة على الاجازة في التربية:” يتراوح عدد السجينات ما بين ال 60 و70 سجينة.”

ما هي الاسباب الرئيسية التي أدت بهن الى دخولهن السجن؟ وما هي مدة العقاب؟

الاسباب الأكثر تعميماً هي المخدرات. أما بالنسبة لمدة العقاب فحسب الجرم، اذا كانت جنحة أو جناية، إذا كانت جنحة لا تتعدى مدتها 3 سنوات أما الجناية فمدتها ما بين 3 و 15 سنة، وكذلك الأمر بالنسبة للمخدرات اذا كانت التهمة تعاطي تكون مدتها ما بين 6 أشهر وسنة. انما جريمة الاتجار فمدة العقوبة تكون ما بين 5 سنوات لتصل الى 7 سنوات. إلا ان هنا دور المحامي الذي يدرس الملف مهم جداً، لأن ربما للقضية نفسها قد تخرج سجينة خلال شهر واحد، وأخرى تمضي 6 أشهر، هذا يعود لنشاط المحامي الذي يمسك ملفها ومدى جديته وتعاطفه مع الموقوفة، كما للعامل المادي دوره، بحيث اذا لم يتوفر لديها المال تنتظر الجمعية كي تعيّن لها محامٍ وهذا طبعاً يتطلب وقتاً.

هل من جمعية تهتم بهن؟

نعم، المرشدية العامة للسجون وغيرها من الجمعيات الأهلية كجمعية دار الأمل مثلاً، وهي موجودة كل يوم هنا.

ممن تتألف؟

جمعية “دار الأمل” تتضمن محامين ومرشدة اجتماعية وطبيب نفساني، كما لديهم فريق عمل يعلّم السجينات أعمالاً يدوية من خياطةٍ وتطريز. الى ذلك، ينظمون لهن نشاطاتٍ ترفيهية وتدريبية مثال على ذلك، في شهر رمضان الجمعية هي التي تحضر لهن الطعام وتساعدهن في تحضير الافطار.

هل تصوم السجينات؟

نعم.

هذا يعني أنهن يتمتعن بالايمان؟

أكيد، حتى أنهن بعد دخولهن السجن يزداد ايمانهن.

تضحك: يصبح لهن الوقت للصلاة.

هل يتم تأهيلهن للمرحلة ما بعد السجن؟

المرشدية العامة للسجون هي التي تهتم بهذا الموضوع، أما من ناحيتي فبقدر المستطاع أتفهم السجينة وأتعامل معها بهدوء وأتقرب منها وأتعرف على مشاكلها، كونها تصل الى هنا منهارة نحاول من جهتنا أن نظهر لها ان السجن هادىء لنخفف من الحالة المأساوية التي تكون فيها.

ما هو عمر السجينات الموجودات هنا؟

يتراوح عمرهن ما بين 18 و 65 سنة.

ما هي تهمة السجينة التي تبلغ الستين؟

الاتجار بالمخدرات.

كيف يمضين النهار؟

يتمتعن بنزهة لمدة 3 ساعات على السطح، نزهة شتوية وصيفية وذلك من الساعة 10 حتى الواحدة، ثم ينزلن الى غرفهن حتى الثالثة، بعد ذلك، يخرجن ايضاً لمدة  ساعة، والنزهة الصيفية هي في مكانٍ مغلق يطل على البحر فيتمتعن بمنظر خلاب، طبعاً لا مجال للهروب فالمكان محصّن أمنياً.

ما هي نتائج دخول السجن؟

لها دور في الاصلاح، منهن من تتوب وذلك حسب نوع الجريمة، مثلاً من تتعاطى الدعارة لا تتوب، ما أن تخرج من السجن حتى تعود الى ما كانت عليه، تعاطي المخدرات يخففن من هذه الآفة، كونهن لا يستطعن أن يتعاطين خلال وجودهن في السجن، انما نعطيهن دواءً لنخفف الضغط عليهن. دخول السجن أراه مفيداً لأنهن بالاضافة الى الارشادات والعمل مع الجمعيات الأهلية وجلوسهن مع سجينات أخريات، هذه العوامل بأكملها تصل بهن الى نوعٍ من التوبة.

 

عندما تتخلى المرأة عن كرامتها

 

هل السجن هو عقاب أو إصلاح؟

أكيد عقاب، ونتيجة هذا العقاب أنهن يبدأن لوحدهن بإصلاح أنفسهن، حيث يبدأن بمزاولة الصلاة ويكتشفن أنهن أخطأن. ربما قبل دخولهن السجن لم يكن يعرفن أنهن كنّ على خطأ.

 

ماذا عن المثليات، هل تتعرض السجينات لتحرش جنسي؟

أكيد تحصل أمور مماثلة لكن بصورة خجولة، لكننا متيقظات لهذا الموضوع، مثلاً لا أسمح لسجينة تنام بالقرب من الاخرى، الى ذلك، لدينا دوريات ليلاً لمراقبة ماذا يحصل خلال الليل لملاحقة هذا الموضوع، من هي في الحمام، من هي في سريرها، الخ… كل شيء تحت السيطرة.

هل من سجينة VIP وأخرى أقل شأناً؟ بمعنى هل هناك تمييز بين السجينات؟

كلا، جميعهن سواسية، أنا أميّز سجينة عن الأخرى من خلال آدابها وأخلاقها، السلوك مهم للسجينة لكي أسمح لها بالنزول الى الادارة لتعمل إما في المطبخ أو للطباعة على الدكتيلو…

ما هي الاعتبارات التي تتخذ لتخفيض العقوبة؟

طبعاً يتميّز الحكم في المحكمة التمييزية، هذا شأن النيابة العامة التمييزية، كذلك يعود الأمر كما سبق وذكرنا الى المحامي الذي يعمل لمصلحة السجينة.

ألا يساهم حسن السلوك في تخفيض مدة الحكم؟

نعم، لكن الى اليوم لم يعمل بهذا القانون، لا يزال مشروع القانون في أدراج وزارة العدل.

هل منظمة حقوق الانسان تزور السجن للاستطلاع؟

زار فريق من المنظمة السجن منذ 8 أشهر سأل سؤالاً ثم ألقى نظرة على السجن وذهب.

للسجينات مطالب من يستمع اليهن؟

أنا استمع الى مطالبهن، والمرشد العام للسجون الأب مروان غانم يأتي اسبوعياً ليستمع الى السجينات ومعالجة مشاكلهن.

هل تلبى الطلبات؟

حسب، اذا كانت ضمن المعقول، مثلا ممنوع أن يسألنني لماذا تم نقلي من غرفةٍ الى أخرى. لأنني أنا أقرر في موضوع تبديل الغرف الذي لا أسمح بالجدل فيه، وعليهن احترام الحارسات، الا انني سمحت لهن بوضع المكياج لأنه يساهم في تغيير نفسيتهن، ويتلهين بالتبرج.

ما هو عدد الغرف هنا؟

يوجد 5 غرف وداخل كل غرفة حمام للاستحمام وآخر للصرف الصحي، يستحممن يومياً.

هل هناك تخوف من تفشي الأمراض؟

كلا، وفي حال المرض، نعالج السجينة ونعطيها الدواء اللازم.

 

تتذمر السجينات من احتيال المحامي وكذبه

 

مما يتذمرن؟

من السرقات بينهن، أو من عدم زيارة الأهل لهن، وأحياناً تأخر المحامي في متابعة قضيتهن فيختفي ويكذب عليهن. يأخذ من السجينة المال ويهرب، يتذمرن أيضاً من مدة التوقيف وتأخر صدور الحكم، كذلك من تأخير في مواعيد الجلسات.

هل هن متفائلات، هل لديهن أمل بالحياة؟

المحكوم يعرف حكمه، لكن الموقوف يبقى متفائلاً ويأمل بالخروج قريباً، كل انسان معرض لأي نكسة اجتماعية، والمجتمع أصبح يتقبل هذا الموضوع، يأتي الأمل من خلال تعاطي المجتمع معه بدءًا من الأهل والأقارب وصولاً الى الجمعيات الانسانية التي تتابع وتهتم.

المخدرات سبب كل الآفات

 

من خلال موقعك، ما هي الكلمة التي توجهينها للنساء خارج السجن؟

ألا يتعاطين المخدرات، لأن المخدرات أساس كل الآفات، فهي تدفع الانسان بارتكاب أعمالٍ خارجة عن ارادته، من خلال متابعتنا لهذه الجرائم رأينا من تسرق تتعاطى، من تقتل تتعاطى، ومن تمارس الدعارة تتعاطى، من يتعاطى المخدرات تسقط لديه كل القيّم، فيصبح كل شيءٍ بالنسبة اليه سهل تنفيذه.

ما هو سبب لجوئهن الى المخدرات؟

الضائقة المادية وأحياناً بالغلط، عندما تقع الفتاة في غرام شخصٍ يتعاطى المخدرات تنجرف معه جاهلة العواقب، كما للأهل دور في ادمان اولادهم.

 

وما أن أنهيت حديثي مع رئيسة السجن حتى وصل الدكتور انطوان سعد الاختصاصي بعلم الدماغ السلوكي، فكان لا بد أن أغتنم الفرصة لأطرح عليه بعض الأسئلة التي تتعلق بنفسية السجينة.

كيف تقيّم نفسية السجينة بعد خروجها من السجن؟

يجيب الدكتور أنطوان سعد سريعاً: في الحقيقة لم أجد حتى اليوم قبل وبعد كي أعطي رأيي كتجربة، لأننا حديثاً بدأنا نتابعهن بدعم من المديرة وقوى الأمن الداخلي. حتى نستطيع أن نتابع قضيتهن داخل السجن، وبعدها خارجه، عندها، على اساس هذا الفرق بين الداخل والخارج نعمل على اعتماد برنامج معين لتأهيلهن ولجعلهن أفضل، على الأقل أفضل من الوضع الذي كنّ فيه.”

ما هي نظرة المجتمع اليهن؟

من لديه التجربة يعرف أن كل انسان مختلف عن الآخر يتعاطى مع الموضوع بواقعية، أما الجاهل فلا يعرف ولديه نظرة مكتسبة مسبقاً، لأننا نرث الأفكار والمفاهيم اذا لم يكن لديه تقييم سليم تكون لديه نظرة خاطئة تتعاطى بشكلٍ خاطىء مع كل الأمور، ومن يفكر بها إن كان بالنسبة للسجينات أو السجن بشكل عام.”

 

بعد ذلك، كانت لنا جولة ميدانية داخل أقسام السجن حيث كشفنا أين يقضين أوقاتهن داخل غرف مكيفة مع أسرة بطبقتين، ومنهن من يفرشن على الأرض.

كما هناك مكان مخصص لتحضير الطعام وآخر للغسيل لمن ليس لديهن أحد ليأخذ أغراضهن واستبدالها بأخرى نظيفة، والنزهة على السطح المشرف على طبيعة لبنان الجميلة قد تموّه عنهن قليلاً، فتكون نظرتهن نحو المستقبل الحر أكثر اندفاعاً.

 صحيح أن القضبان تحجز الحرية لكنها لا تحرم السجين من حقوقه، للاطلاع على الناحية القانونية لتساؤلات عديدة كان لا بد من لقاء محامٍ لاكمال عناصر التحقيق.

 

 يتبع

 سميرة أوشانا

مجلة المروج: العدد 18 – تشرين الأول 2009

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اقرأ الآن