YOUTUBE
Twitter
Facebook

 

ساندي: ” صار عمري 18 سنة، بدي دفتر سواقة هدية العيد”

كريم 16 سنة:” أنا بدي غيّر الموبايل، كل رفقاتي معهم iPhone

جومانا 13 سنة:” انا بدي laptop.”

 اللحاق بالتطور التقني، رافق الاولاد في أمنياتهم التي أصبحت باهظة جداً، في ليلة الميلاد. هم أكبر من أن يعتقدوا أن البابا نويل سينزل من ال cheminée  حاملاً معه ما كانوا يحلمون به من هدية طوال السنة. بل أصبحوا يدركون تماماً أن أهلهم يجب أن يرصدوا ميزانية غير مستهان بها. لتحقيق أحلام لم تعد تمت بصلة للطفولة التي غادرت مسرعة في ظل واقعٍ خبيث.

 

هل أصبحنا في زمن أصبح الاولاد يستغلون عاطفة أهلهم؟

لا شك أن الهدية فقدت رمزيتها في هذا الزمن، والأمنيات لم تعد بحجم الامكانيات، بل التكنولوجيا التي سيطرت على منازلنا بدءًا من الستائر الى الكمبيوتر والكاميرات وغيرها وغيرها… تخطت كل الامكانيات المادية، لتصبح من ضروريات الحياة، ولم تعد تعتبر كماليات، وعلينا اللجوء في أسوأ الاحتمالات الى القروض التي بدأت المصارف تسهل الحصول عليها ليواكب المواطن التطور الذي يسير بخطى سريعة نحو لا نعرف الى أين؟ (بالإذن من الاستاذ وليد جنبلاط.)

على الرغم من السياسة الاقتصادية الرديئة المعتمدة في وطني والتي ألغت الطبقة الوسطى من المجتمع، حيث قسم منها أصبح دون المتوسط، والقسم الآخر أصبح فوق الريح ونسميهم “حديثي النعمة” أو  nouveaux riches، وهؤلاء هم الذين يثيرون الاشتمئزاز حقاً، إذ بلمحة بصر وبغمضة عين وبعصاً سحرية، تحولت حياتهم فرفعتهم من الطبقة الفقيرة الى المخملية حسب اعتقادهم ويصدقون الحالة فيعيشونها بكل كبرياء، فلا يعود باستطاعتهم معاشرة من ليسوا من مستواهم الطبقي، ربما لأنهم يذكرونهم بماضيهم غير البعيد.

 

صورة حية عن بعض عائلات من الطبقتين، كيف تستعد لاستقبال العيد وضمن أي أجواء؟

بيتهم دافىء، السجاد صيني، شجرة الميلاد لا تشبع من التأمل بها، تحاول إحصاء المبلغ المرصد لها، فتندهش لهذا الحجم من الهدر.

سيدة البيت اتصلت بمهندس الديكور، لتنفيذ أفكارها لتكون شجرتها أجمل شجرة في حيّها وعلى الجميع أن يتحدث عنها، هدف نبيل حقاً! تعترف بكل اعتزاز بالتكاليف الباهظة لهذه التحفة التي ابتكرها مهندسها الخاص والذي ممنوع عليه أن ينفذ مثيلاً لها، فهذه sapin de Noel  يجب أن تكون pièce unique . دفعت له بدل أتعاب وثمن مخيلته التي لا تثمّن بمبلغ بكل محبة تقول وستخبر صديقاتها عنه، لانه wow .

استهلك كل مخيلته ليرضي السيدة الثرية وكأن يسوع لم يولد في المغارة ليعلّم الناس التواضع والمحبة!؟

تتابع تقول هذه السيدة التي ترى أن لبنان أقل غلاء مقارنةً مع البلدان التي زارتها،” روحو شوفو بفرنسا ما فيكي تشتري manteau ، أقل قنينة parfum مش أقل من 300$   ، عن جد كتر خير الله لبنان بعدو بألف خير، نحنا عايشين بنعمة.”

 

حقاً تأثرت بكلامها على الأقل تعرف قيمة بلدها.

بالانتقال الى عائلة هربت من العراق، بلاد الرافدين، تاركةً خلفها بيتها وكل ما تملك في بلد لم يعد يعرف إلا الدماء الجارية على أرضه والعنف الذي أصبح خبراً يومياً نسمعه عن بلاد ما بين النهرين في الوسائل الاعلامية، بلاد كل الحضارات القائمة، حتى اضحت حضارة العنف هوية هذا البلد التي عصفت به غبار الصحارى فيه فأعمت بصيرة مدمريه.

 

دخلت بيتهم المتواضع، هم عائلة مؤلفة من خمسة أفراد يقطنون في غرفةٍ ومنتفاعاتها، وبالتنسيق مع جمعياتٍ خيرية التي عطفت عليهم ببعض مستلزمات المعيشة وبعض المساعدات الأولية، يسيّسرون أمورهم. يقول الوالد الذي لم يخرج بعد من صدمة الفاجعة التي أحلّت بعائلته:” 3 اولاد يتابعون دراستهم في مدرسة قريبة من المنزل وولداه الاثنان يبحثان عن العمل لتأمين ايجار المنزل ليستمروا بالعيش بكرامة الى حين وجود حلٍ لوضعهم المؤقت.” يضيف:” عن أي عيد تسألينني، لكن على الرغم من كل شيء، نحن نستقبل العيد بالصلاة لكي يزرع الرحمة والمحبة في قلوب القاتلين، وأن نعود ال بلدنا ونسترجع بيتنا.”

 

هي سيدة طيبة، متأهبة دائماً للقيام بأعمالٍ خيرية، وهي تعمل على طريقة ألا تعرف يدها الشمال ماذا تعمل يدها اليمين، طبعاً ليست “Arsène Lupin ” الذي كان يسرق الأثرياء ليعطي الفقراء، إنما هي تنشط لتتعرف على عائلات محتاجة، لتكون همزة وصل بينهم وبين أشخاصٍ ميسورين ليس لديهم أي مانع لمد يد المساعدة، ليس في فترة الاعياد فقط إنما على مدار السنة، لأن الفقير يحتاج لأن يأكل ويلبس ويتعلم كل يوم، إلا أن النشاطات الخيرية تتكثف فترة الأعياد، لأن المساعدات الشهرية ترافقها احتفالات خاصة بالأعياد وهدايا تدخل البهجة الى قلوب المحرومين من نعمة الرفاهية.

قصدتها لأعرف كيف تعيش فترة الميلاد تقول:” أشعر بفرحٍ عظيم كلما أطعمت جائعاً واعتنيت بمريض، وأهدي طفلة لعبة يعجز أهلها عن شرائها لها، كل هذه الأمور تدخل الطمأنينة الى قلبي، يجب أن نتذكر أن هناك من هم بحاجة الى لمسة حنان ونظرة ثقة وأمل نعطيها لهم ليكون اندفاعهم نحو الحياة مرافقاً بأمل لا ينضب ولا تجفه الحاجة المادية، ليس من الضروري أن يكون للانسان مبالغ طائلة في المصارف، ثراء الانسان يظهر عندما نرى مقدرته على العطاء، بينما من يخفي أمواله ويعيش حالة خوفٍ من فقدانها، هو الذي يعاني من الفقر الحقيقي، في حين الغنى الحقيقي يكمن لدى ذلك الذي يتسلّح بالايمان ويكون مشروعه زرع الأمل لدى اليائسين، فيشعر أن ما لديه يكفيه ويكفي غيره.”

وهذه السيدة ايضاً هي حالة من حالات المجتمع.

 

فيما كنت أقوم بمهمة التسوق التي أصبحت متعبة ومكلفة، حقاً نستطيع القول أن التسوق في لبنان أصبح مهمة صعبة، لفتني مشهد طفلتين توأمتين عمرهما لا يناهز الاربع سنوات، واقفتان  أمام واجهة الحلوى والشوكولا المخصصة لفترة الأعياد، صرختا معاً مندهشتين بزينة الواجهة وشدّا ثوب والدتهما تطلبان منها أن تشتري لهما ما اشتهته أعينهما، فإذا بدورها تسأل زوجها اذا ما كان باستطاعته تلبية رغبتهما البريئة، سأل البائع إن كان يستطيع أن يشتري قطعةً واحدة  لكل منهما!!!

هذا المشهد أثر بي وذكّرني بأغنية للفنان رينيه  بندلي، عندما غنى ” تنكة تنكة…  وبيضة بيضة مين ما كان بياخد بيضة خلصت ايام الكرتونات..” يومها الأغنية أضحكتنا وأبكتنا في الآن معاً، لكن لم نكن نصدق أن هذا اليوم سيأتي يوماً، وستطبق كلمات الأغنية… اليوم لا نضحك فقط نبكي…

 

لكن، في الواقع اقترب العيد وعلينا أن نعيش أفراحه، على الرغم من كل الظروف، لأن المناسبة عظيمة، ونحن نعيش زمن الميلاد، نحتفل بولادة سيدنا يسوع المسيح، الذي زرع فينا الأمل قبل الرحيل، الأجراس تقرع ابتهاجاً، والكل سيذهب الى الكنيسة الفقير الى جانب الثري، الأمي الى جانب الفيلسوف أو المتفلسف، هنا الجميع يتساوى، والجميع يطلب السلام لوطنه ولعائلته، وأنا بدوري أطلب أن يعمّ السلام العالم، وتنشر المحبة بين كل البشر وينتهي الخبث وتختفي الأحقاد، وأتمنى أن يولد يسوع في قلوبنا لأنه أوصانا بالمحبة وبالتواضع والتسامح في هذه الحال فقط نستطيع أن نعيش السلام الداخلي.

 

أوصى يسوع تلاميذه أن يحبوا بعضهم وأن يحسنوا الى مبغضيهم، هل صعب علينا تنفيذ ما أوصانا به!؟

 

سميرة اوشانا

 

 

 

 

اقرأ الآن