YOUTUBE
Twitter
Facebook

23736157_1349797421814017_2378198311936278907_o

التدخل الخارجي أنقذ الأسد لكن  إلى حين

سوريا: حرب بلا نهاية و حل سياسي مستحيل

 

في سوريا تتعقد الأمور سياسياً باضطراد. الغربُ مستبعدٌ، أو ناءٍ بنفسه، عن المؤتمرات التي تنظمها روسيا و تركيا و إيران في آستانة، سوتشي و جنيف. “مؤتمر أصدقاء سوريا”، الذي كانت تحضره تركيا، “انْفَخَتَ” طبلُهُ و تفرق “العُشاقُ”. الولايات المتحدة صارت تحصر اهتمامها بالأكراد و بحلفائهم من عرب سوريا. تركيا شكلت ثلاثياً مع روسيا و إيران ينشط بلا أي نجاح سياسي. المطالبة بأن يتنحى الرئيس السوري لم تعد مطلباً غربيا، أما تردادُها بألسنة مسؤولين عرب، خاصة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، فلا تعدو كَوْنَها محاولة لحفظ ماء الوجه.

الرئيس السوري بشار الأسد صار في وضع مريح. قواتُهُ و القوى الحليفة تُطبِقُ على المنظمات المسلحة المتشددة دينياً في الغوطة الشرقية. خُصومُهُ جميعاً يُعانون كثيراً: الأكراد يتقاتلون مع تركيا. قواتُهُ “الشعبية” تهب لإنجادهم. في إدلب يتذابحُ المتشددون الدينيون الرافعون جميعاً، بلا أي استثناء، علم “حكم الشريعة الإسلامية”. تركيا و الولايات المتحدة تَبدوان مرتبكتين بل متصارعتين و لو سياسياً فقط. الخطر الشديدُ الذي كان يُحدِقُ بحكم الأسد في عام 2015 صار من الماضي.

المعارضات “المنفية”، خاصة تلك القابعة في الدول الداعمة للتنظيمات المتشددة، تفرقت صفوفها و لم تعد ذات أهمية بالنسبة إلى الغرب. أليسَ اعتمادُ الولايات المتحدة على الأكراد دليلاً على خُطورة ما يسمى “الجيش الحر”، خاصة ذلك الذي أنشأته تركيا؟ هل هذا “الجيش الحر” المركب في تركيا مختلفٌ فكرياً عن “جيش الإسلام” و بقية التشكيلات السلفية و الإخوانية؟ أَلَمْ تكشفِ الأزمة بين ثلاثٍ من دول الخليج و معها مصر من جهة و قطر من جهة أخرى تورطََ دولٍ خليجية في إذكاء التطرف الوهابي و الإخواني “القاعدي” في سوريا؟

سوريا

أشباح الماضي

سوريا ليست أفغانستان. روسيا ليست الإتحاد السوفياتي. الغرب، خاصة الولايات المتحدة، تجاوز مرحلة الصراع مع الشيوعية. لكن الحرب الباردة القديمة أفسحت المجال لصراع جديد بين أجزاء من الغرب تتزعمها الولايات المتحدة من جهة و روسيا من جهة أخرى، على خلفية الأزمة الأوكرانية و سوريا و ربما أفغانستان. أَلَمْ يَتَّهمِ الأميركيون روسيا بإرسال أسلحة إلى حركة طالبان؟ التاريخ لا يُعيدُ نفسه، لكن هناك أشياءً كثيرة موروثة من الماضي في الصراع الأميركي-الروسي المستجد.  

بمثل ما تشدد الرئيس رونالد ريغان مع الإتحاد السوفياتي كثيراً تحاول الولايات المتحدة الآن إضعاف روسيا. العقوبات المالية تتوالى من واشنطن. و الإتحاد الأوروبي يمشي في ركاب أميركا على الرغم من تضارب المصالح بين الحليفين. وسائل إعلام رئيسة في القارتين القديمة و الجديدة تتحدث بلهجة قاسية أحياناً عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنها تعترف في نهاية المطاف، و لو بكثير من الخجل، أنه منتصرٌ في سوريا بينما أقرانُهُ الغربيون يكادون يختنقون حسداً. حربٌ باردةٌ جديدة حلَّت في أوروبا و عبرت المحيط الأطلسي.

لكن لهذه الحرب حدوداً، من وجهة نظر الأوروبيين على الأقل. آلاف الشركات الأوروبية تعمل و تربح في روسيا. المصالح الإقتصادية صارت متشابكة. و إذا كانت الولايات المتحدة في غنى عن شراكة إقتصادية مع روسيا، فإن للدول الأوروبية المؤثرة، خاصة ألمانيا و فرنسا، رأي آخر.

إفشالُ روسيا في سوريا؟ ممكن، لكن ليس سهلا أبدا. بل ربما يكون مستحيلاً. و هل النجاح الأميركي في العراق و أفغانستان باهرٌ أصلاً؟ أو هل يمكن أصلاً إدعاءُ النجاح فيهما؟ في العراق وسَّعَ التدخل الأميركي نفوذَ إيران. و في أفغانستان يُقالُ أن حركة طالبان، التي رأت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون أن فيها عناصر معتدلة، تسيطر (أي الحركة) على ستين في المئة من الأراضي. و هل يخدمُ إفشالُ روسيا في سوريا نشرَ قيم الغرب؟

21ipj18

ورطة الحل السياسي

هذه الوقائع تقابلها وقائع أخرى. الرئيس السوري صار في مأمن من السقوط. لكنه لا يقدم أي حلٍّ سياسي للأزمة. كثيرٌ من المقترحات التي تعرضها عليه روسيا لا ينال رضاه. بعضُ المحللين الروس الذين يُنكرون التحدث رسميا باسم الكرملين يرون أن الأسد يريد أن يواصل حُكم سوريا بالطريقة نفسها التي كانت سائدة من عهد والده الرئيس الراحل حافظ الأسد.

روسيا تؤكد أنها لا تتمسك بالأسد رئيساً لسوريا و تقول تكراراً إن اختيار الرئيس يعود إلى الشعب وحده. قبل حوالي سنتين قدمت مشروع دستور لسوريا رفضه الأسد جملةً بعدما بدأ، عبر مستشاريه طبعاً، بإبداء الملاحظات عليه تفصيلاً. روسيا أكثرت من قرارات خفض القوات العاملة في سوريا لتعود بقوة أكبر بعد كل مرة. لا شك في أن روسيا قوة عظمى. لكن هيبتها تلطخت مراراً بدءاً من إسقاط تركيا طائرة سوخوي-24 في تشرين الثاني-نوفمبر من عام 2015، وصولاً إلى مقتل عشرات المتعاقدين من روسيا و دول سوفياتية سابقا في غارات جوية و مدفعية أميركية في دير الزور في الأيام الأولى لشباط-فبراير الماضي. بين الحادثتين، اضطرت القوات الجوية الروسية إلى قصف ضابط الإستطلاع ألكسندر بروخورينكو و قتله، بطلب منه شخصيا بحسب موسكو، حتى لا يقع أسيراً بأيدي مسلحي داعش في تدمر في معارك أيار-مايو من عام 2016، ثم خسرت وروسيا طائرة هليكوبتر و طاقمها بعدما أُسقِطتْ فوق إدلب في تموز-يوليو من العام نفسه، و أخيراً خسرت روسيا طائرة سوخوي-25 عندما أسقطها مسلحون فوق إدلب أيضاً في بداية شباط- فبراير الماضي و اضطرت إلى طلب تدخل تركيا حتى تستعيد جثة الطيار. و كان يُفترضُ بقوة عظمى مثل روسيا أن تنشر وحدات إنقاذ متطورة في سوريا حتى تتحسب لإسقاط طائرات أو لإنقاذ جنود يعملون وراء خطوط العدو. لكن هذه الحوادث كشفت أن مستوى التطور التكتيكي-التقني للقوات الروسية ما زال متواضعا. بمثل ما كان الإتحاد السوفياتي يعتمد على ضخامة الجيش(حوالي 4 ملايين جندي و ضابط) ما زالت روسيا تعتمد على العدد بأعظم من اعتمادها على وحدات عسكرية خاصة عالية التطور. بل كشف التدخل الروسي المحدود في سوريا أن موسكو لن تغامر بعملية واسعة النطاق في سوريا ربما تكون كلفتها أعظم بكثر مما يستطيع الإقتصادُ تَحَمُّلَه.

في موازاة ذلك، كشف التدخل الروسي أن إيران و حزب الله كانا عاجزين وحدهما عن إنقاذ الرئيس السوري في عام 2015. فلو كانا يملكان القدرة على تحقيق ذلك لما طلب الأسد تدخل روسيا، و هو الذي لا يمكن أن يتخذ قراراً كهذا بمعزل عنهما. في عام 2015 لم يكن العراق استعاد السيطرة على أراضيه الواقعة على حدود سوريا من تنظيم داعش. كانت إيران تمد الأسد بالأسلحة و بقوى بشرية لكنها كانت عاجزة عن مساعدته بواسطة سلاح الجو و  عن إرسال عشرات آلاف العسكريين من قواتها لإنجاده. فلو كانت قادرة لما طلبت من حزب الله التدخل و لما أرسلت ميليشيات عراقية و أفغانية و باكستانية إلى سوريا.

على خلفية استعصاء سياسي أصاب جميع الأطراف المتحاربة يتواصل الصراع في سوريا: النظام يرفض تقديم أي تنازلات لمعارضات ليست سوى امتداد لمصالح إقليمية أو دولية. لكن الأخطر من ذلك أنه يرفض التفاهم مع أطراف معارضة رفضت التعامل مع الخارج و لم تغادر دمشق إلى عواصم عربية أو غربية. فهل يستطيع الأسد أن يقدم حلاً سياسياً وهو الذي لم يستطعِ التفاهم مع قدري جميل مثلاً؟ (وزير التجارة الداخلية سابقا، الأمين العام لحزب الإرادة الشعبية. مقيم في موسكو حالياً بعدما غادر دمشق عام 2013 ).

جرجس الضهر

صحافي سابقاً

اقرأ الآن