YOUTUBE
Twitter
Facebook

في الوقت الذي تتهافت المنصات لعرض أعمال العنف والحرب والقتل والمافيات والسرقات وكل ما هو قاس على نظر وأحاسيس المشاهد حتى الهلاك، جاء مسلسل “بكير” ليشكل محطة استراحة ليبعدنا عن العنف العالمي، وينقلنا الى عنفٍ اجتماعي اعتادت عليه البيئة الشرقية حتى الرضوخ والاعتياد.

من الجيد أن تعرض شاشة المؤسسة اللبنانية للارسال عملاً لبناني الهوية، حمل كل مشاكل المجتمع اللبناني ووضعها في سلةٍ واحدة مفتاح عقدتها هو الانفتاح والمحبة، رابطا القرية بالمدينة.

من واقعٍ يعكس صورة بعض نماذج مجتمعنا اللبناني، أضاءت الكاتبة كلوديا مارشليان  في الدراما الإجتماعية “بكّير” على حياة عائلةٍ متواضعة تعيش في إحدى القرى. تعاني الوالدة مجدلا (كارول الحاج) من اضطهاد زوجها سمير (عمّار شلق)، وذلك بعد إجبارها على الزواج منه وهي في سنّ مبكر، تضطّر للهروب منه، لتستقلّ وتعمل بعيداً عنه، بهدف تأمين حياة كريمة لأولادها الثلاث، الذين يُجبرهم والدهم على العمل في سنّ صغيرة، ويحرمهم من حقّهم في التعليم، كما يُجبر إبنته على الزواج المُبكر.

في رحلة هروب مجدلا الى بيروت تتطرق الكاتبة الى مشاكل من نوعٍ آخر يعاني منها أبناء المدينة. وكأنها أرادت أن تجمع كل مشاكل مكونات المجتمع اللبناني لتشكل منها سلسلة من 20 حلقة، كان من الممكن اختصارها في 7 حلقات. لا سيما أن موجة المسلسلات الطويلة بدأت تنحصر تدريجياً في ظل المنافسة الكبيرة التي فرضتها المنصات.

رجل خارج من الصخر

“بكبر”  ليس التعاون الاول الذي يجمع الممثل عمار شلق مع المخرج سمير حبشي الذي أخرجه من ثوبه الأنيق في “ورد جوري” وألبسه ثوب سائق تاكسي في “ثواني” ليجعل منه في “بكير” رجلاً خارجاً من الصخر، قاسياً لا مجال للتفاوض معه، يريد السيطرة على عائلته وزوجته بطريقةٍ عنيفة فارضاً هيبته المخيفة على زوجته واولاده وشقيقته. معتبراً هي الوسيلة الوحيدة للحفاظ على عائلته وحمايتها.

عمار شلق الذي يجيد لعب كل الأدوار لدرجة التصديق بدءًا من مشاهد الرجل العنيف الى الزوج الذي يحب زوجته من دون الاعتراف بحبه، الى رجل القرية الذي يتقن الدبكة كل هذه التفاصيل كان شلق سيدها. فحمل المسلسل على كتفيه بكل راحة.

 

كارول الحاج هل خلعت عنها ثوب مريانا؟

مريانا” اسم لاحق الممثلة كارول الحاج في مسيرتها الفنية، وكأنها تتقمص دورها في كل عملٍ تقدمه لا سيما عندما يتعلق بالأرض والفقر والانقلاب على الظلم، صحيح أنها لعبت جيداً دور المرأة المستسلمة لارادة زوجها بغية انقاذ ابنتها، والمنتفضة على الظلم عندما دق الخطر باب منزلها وهدد أمن ولديها. لكن لم أجد أنها قدمت جديداً. ربما تحتاج كارول لفرصةٍ أخرى تخرجها من النمط الذي اعتادت تقديمه، تحتاج لدور يكون بمثابة انقلاب على ذاتها.

 

ابو ملحم وام ملحم

 

ختام اللحام وعلي الزين نجحا في تجسيد دور الجيران المصلحان اللذان يقفان الى جانب مجدلا المظلومة، فكان دورهما في هذه السلسلة شبيهاً بدور ابو ملحم وام ملحم اللذان كانا مرجعاً في إصلاح أي خلاف عائلي، وقد نجحا في ذلك. فشكلا معاً ثنائياً موفقاً.

 

مهنية سنتيا وعفوية عطالله

سنتيا كرم وبشارة عطاالله كانا فعلاً مفاجأة المسلسل لا بل اكتشاف قد تخرج منهما مليون حكاية، هذا الثنائي السلس الذي وجد نفسه في قلب دائرة من المشاكل المتشعبة كان بمثابة حبة مهدىء لجيرانه. نتوقع منهما مزيداً من المشاركات الفنية المختلفة.

المحامي والمذنب

صحيح أن ما عرض في هذا العمل ليس جديداً، لكن دوري سمراني في دوره كمحامٍ نبيل يدافع عن الضعفاء والمقهورين، استطاع أن يبرهن أنه ممثل من الصف الاول، وتليق به ادوار البطولة. كما نجح في دور الأخ الأكبر والمتفهم لمشكلة اخيه المدمن.

زوجان صالحان ولكن…

كذلك بييريت قطريب وشربل زيادة، اللذان عرفا تماماً كيف يجسدان مع ولديهما صورة طبق الأصل عن عائلةٍ تعرضت لانتكاسةٍ مادية في ظروف قاهرة اقتصادياً لعبا بمرونة دور الزوجين اللذين يتشاركان في السراء والضراء.

 

عملاقا الدراما اللبنانية

رندة كعدي وغبريال يمين

 

كان يكفي ذكر اسم الكبيرين رندة كعدي التي لعبت دور المرأة المقعدة التي تعرضت لعنف والدها أدى الى شللها الدائم، وشقيقها غبريال يمين الطبيب المشهور الذي ورث أطباع والده المستبد ما دفع بابنته الابتعاد عنه والبقاء الى جانب عمتها.

أما ناديا شربل التي أعجبتني كثيراً وأقنتعتي في مسلسل “قلبي دق”،حين جسدت دور الفتاة التي لا تتقن الكلام باللغة العربية،  الا انها في هذا العمل لم تقنعني كفتاة قرية تتعرض للعنف.

باختصار هذا المسلسل كان مثقلاُ بمشاكل متنوعة قد تعاني منها أي عائلةٍ من هذا المجتمع الشرقي، أبعدنا قليلاُ عن أجواء العالم المكتئبة ليكون بمثابة استراحة محارب، فكل المشاكل التي عرضت كانت نهايتها سعيدة.

كذلك”بكير” يؤكد لنا أن القيّمين على الأعمال الدرامية لا يزالون يؤمنون بالدراما اللبنانية على الرغم من الظروف الاستثنائية التي تعيشها الكرة الارضية ومنها لبنان، بدءًا من الكورونا الى الازمة الاقتصادية المتفاقمة.

يبقى أن أقول أن العمل صور بطريقةٍ سينمائية خلابة،  نقل المخرج سمير حبشي عاشق الارض الخصبة بسهولها وجبالها، بطريقةٍ متقنة أجواء القرية بكل تفاصيلها والمدينة غير المجاورة، رافعاً بذلك أسهم الدراما اللبنانية على الرغم من المنافسة الشديدة التي فرضتها المنصات من خلال العدة والعديد.

يذكر أن “بكّير” هو من إنتاج شركة Day Two Pictures.

 

               سميرة اوشانا

اقرأ الآن