YOUTUBE
Twitter
Facebook

عندما كتب الشاعر الراحل نزار قباني قصيدته الشهيرة “قارئة الفنجان” وغناها المطرب الراحل عبد الحليم حافظ، شعرت وأنا أتابع مسلسل “الغربة” أنه كان يعرف يوميات تلك الصبية “حلا” بطلة العمل الخارجة عن طوع والدها وعن تقاليد القرية في حقبة دقيقة من الزمن، حتى ولو كان كلامه موجهاً لذكرٍ “يا ولدي”، إلا أنني شعرت أن القصيدة نظمت لها حين قال:” مقدورك أن تمضي أبداً في بحر الحب بغير قلوع وتكون حياتك طول العمر كتاب دموع.”

وحين قال ايضاً:” مقدورك أن  تبقى مسجوناً بين الماء وبين النار.”

هكذا خيّل لي.

رواية من مفترق قرية لبنانية نسجتها بسيناريو متقن الكاتبة ماغي بقاعي   في فترة الخمسينات لتخرجها ليليان البستاني التي حرصت  وبكل دقة على تأمين  الأجواء اللبنانية  الملائمة في تلك الحقبة التي كانت مقبلة على الازدهار في تاريخ لبنان، ومن انتاج أفكار برودكشن مطانيوس بو حاتم وليليان بستاني .

قالت:” مخرجة العمل ليليان بستاني في حديثٍ لموقع Magvisions خلال تصوير المسلسل في منزل الممثل وسام حنا:” ما يميّز العمل بحد ذاته هي فرادته بتناول قصة في هذه الحقبة  بالذات عندما كانت بيروت تشهد ازدهاراً واعتبرت سويسرا الشرق.”

تابعت:”سبق  وشاهدنا أعمالاً تناولت الانتداب الفرنسي والعثماني، لكن حقبة الرفاهية هذه اول مرة يتناولها مسلسل لبناني. لهذا السبب سينعكس ايجاباً من حيث الأحداث التي تدور حول الشخصيات. والجمال الذي سيلمسه المشاهد من خلال الملابس والأزياء والديكورات الجميلة من خلال الألوان المبهرة، التي  نعمل تحديداً عليها كي تعكس صورة الحقبة الذهبية من خلال الصورة التي سنقدمها.”

لا ننكر الجهد الذي قدمته الشركة لتقديم أفضل ما يمكن، على الرغم من الظروف الاقتصادية المأساوية.

انتهى المسلسل وقد حصد نسبةً عالية من المشاهدين، تمرد حلا استطاع أن يجذب المشاهد بكل فئاته العمرية.

فرح بيطار وكارلوس عازار ووسام حنا وأسعد رشدان وصولانج تراك وطوني عاد وسامي بو حمدان ورالف معتوق وجمال حمدان  وجومانا شمعون

ويمنى بو حنا وكارين سلامة وفايق حميصي وندى عماد خليل وشادي ريشا وسينتيا زينون وبولين حداد ورولا واكد وكميل يوسف ومايا السبعلي، جميعم شاركوا في هذا العمل واجتهدوا لتقديم الشخصية التي جسدوها كما طلب منهم  تماماً.”

 

عندما يكمن الجمال في البشاعة

هنا نتحدث عن آداء كارلوس عازار الذي لعب دور مروان  الممثل المسرحي الذي استغل طيبة وعواطف وحب حلا، وهو الشاب اللعوب بمشاعر النساء، فكان آداؤه حقيقياً لدرجة التصديق ما جعل المشاهد يتضامن مع حلا ويحقد على مروان لدرجة الانتقام.

غالباً ما يسعى الممثلون للعب الادوار الشريرة التي تكشف الكفاءة المختزنة لديهم، فبرز كارلوس هنا كممثل خطير يحسب له ألف حساب. برع في تجسيد هذه الشخصية البشعة كما سبق ونجح تماماً بدوره الى جانب باميلا الكيك في “الماز”. شخصية أتصور أنها أرهقته لدرجة القتل.

فرح بيطار من جهتها، استطاعت أن تجعل المشاهد يصدق انها فعلاً حلا، تلك الفتاة المثقفة التي تهوى الرسم، الرقيقة والحساسة  التي تعيش في قرية بعيدة عن العاصمة، مع والد (مختار الضيعة) متزمت الذي جسد الشخصية الممثل أسعد رشدان، وحيدة بين شقيقين، فقدت أمها وكانت الشقيقة الأقرب لأخيها الصغير (رالف معتوق الممثل الشاب الذي يمتلك موهبة عالية وأتوقع له مستقبلاً فنياً ) لم يتحمل بعدها فهاجر بدوره الى أميركا لتحصيله لعلمي.

كذلك سامي بو حمدان الذي اعتبرت أن دوره هنا أنصفه  كممثل أكثر من كل الادوار التي سبق ولعبها، فكان صادقاً بدوره إن كان كالأخ الأكبر الحريص على تلبية رغبات والده أو الزوج او الاب المقعد بعد الحادث  الذي يراقب ابنه بعد خسارة زوجته.

أما بالنسبة للممثل وسام حنا فكان اختيار الشركة له للقيام بهذا الدور صائباً فهو بالاضافة الى امتلاكه لموهبة التمثيل يتميّز ايضاً بموهبة الرسم، فكانت اللوحات التي شوهدت في العمل من صنع يديه. فكان حقيقياً بتجسيد دور الشاب المثقف والراقي والمغرم.

 

لكن الممثل جمال حمدان شهادتي به مجروحة، فهو يتميّز بآداء قوي لا سيما في دور الأب الذي لعبه هنا أو في أي عملٍ آخر. فهو الممثل المخضرم الذي يعرف جيداً من خلال نبرة صوته وآدائه المتقن أيصال الشخصية التي يلعبها بكل سهولة.

أما الممثل طوني عاد فبدوره أحسن تأدية دور الزوج المثالي والصديق الوفي، شكل ثنائية ناجحة من جهته مع صولانج تراك الزوجة المتهورة التي نجحت  على خشبة المسرح  فكان أداؤها هنا مضخماً ومشاهدها المتشابهة مكررة.

العمل ككل جيد وشهد متابعة كثيفة من قبل المشاهدين الذين اشتاقوا لمشاهدة عمل لبناني 100% ، لكن اين تكمن نقاط الضعف في  هذا العمل الذي صور في أحلك الظروف الاقتصادية التي يمر بها البلد، وهل هذه النقاط هي فعلاً نقاط ضعف بنظر الشركة المنتجة؟

قد لا يكون ذنب المشاهد اذا أرادت الشركة توفير مبالغ من هنا أو الغاء مشاهد من هناك، لكن للظروف أحكام. فالمشاهد يريد أن يشاهد عملاً متكاملاً غير قابل للنقد، تماماً كما هي الحال مع الأعمال الأجنبية التي يتابعها. فالمشاهد ذكي للغاية وأصبح يعرف تماماً تصنيف الاعمال.

بالنسبة الي كمشاهدة، من الخطأ إعطاء أهمية للممثلين الاساسيين وتغييبها لهؤلاء الذين يقدمون  أدواراً ثانوية. يجب أن يكون أي ممثل حتى ولو كان مروره لثوانٍ أن يكون آداؤه متقناً، وهذا الامر لم يكن متوفراً لدى الممثلين كافة الذين لعبوا حول القصة الاساسية للمسلسل. وهذا ما سجل نقطة ضعف اولى ونافرة.

لكن شركات الانتاج  بدورها، هي في بحثٍ دائم عن الوجوه الجديدة وتوفير فرص عمل لها.

هذا جيد، شرط أن يتوفر لها تدريب جيد للشخصية التي يقدمونها.

تغييب مشاهد

كان من المستحسن أن يعلم المشاهد قليلاً عن والدة هذه العائلة وزوجة مختار القرية، المشاهد لم يعرف كيف توفيت وما هو سبب الوفاة أو أي معلومة عنها،  حتى لم يتذكر المختار زوجته وهو الوفي لعائلته ولو بمشهد واحد او ذكرى من الماضي ولا حتى الاولاد الثلاث لم يأتوا على ذكرها أو تحدثوا عنها  فكان هناك تغييب كامل للأم في وسط هذه العائلة التي كانت متماسكة، باستثناء مشهد واحد لحلا مع صورة والدتها بعد فرارها من المنزل.

أما بالنسبة لعائلة زوجة مروان الذي كان يتردد دائماً لزيارتها  الى القصر ويمنع من رؤية ولده، “البيك، ما بدو يشوفك”  كم وددت أن أرى شخصية هذا البيك الذي اعتبرناه صارماً ورؤية عائلته والطريقة التي يعيش فيها الطفل المحروم من رؤية والدته المريضة في المصح، ووالده الرذيل. لو رأيناه بمشهدٍ يتمشى في حديقة القصر مع حفيده على الأقل، أو نسمع حديثا بين الجد والحفيد داخل القصر.

كذلك، الوالدة التي جسدت الشخصية رولا واكد لم تتفوه بأي كلمة طوال الحلقات التي شوهدت فيها لم نعرف سبب “البكم” الذي أصابها ولم تشفى منه حتى بعد خروجها من المستشفى. لا أعرف مدى أهمية المشاهد المتكررة التي لم تقدم جديداً فيها، فكانت جميعها متشابهة، منها في مشهد يتهيأ لها أنها تحمل طفلها، أو آخر تسرح شعرها، لم يحصل أي حدثٍ يذكر. هنا اعتبرت أنه لم يكن من الضروري تكرار المشاهد نفسها. لأن المشاهد فهم سر مروان الدفين.

أما نقاط قوة هذا العمل فتوفرت في القصة والأزياء  التي هي من تصميم ماجد بو طنوس وأماكن التصوير التي حرصت المخرجة ليليان بستاني لتكون ملائمة لحقبة الخمسينات وذلك لمزيد من المصداقية.

دون أن ننسى أغنية المسلسل “ندهتلي دروبك يا غربة”  التي رافقت الرواية وحفظها المشاهد، بصوت جيسي جليلاتي وكلمات مطانيوس ابي حاتم وألحان وتوزيع جان كيروز،.

والأهم أن النهاية السعيدة  التي وضعت حداً لأحزان حلا،  كانت بمثابة  “حبة بونبون” تذوقها المشاهد في هذه الظروف القاسية التي يعيشها المواطن اللبناني.

على الرغم من كل ذلك وفي ظل التنافس القوي بين التلفزيون والمنصات الالكترونية التي تعرض أعمالاً عالمية وعربية مختلطة ضخمة، استطاع مسلسل “غربة” اللبناني بكل تفاصيله أن يلتقط المشاهد بكل حلقاته الثانية والثلاثين، ليشكل نجاحاً يرضي الشركة والممثلين والمشاهدين لنقول لهم “تعبكم ما راح ضيعان”.

والف مبروك للمخرجة المكافحة ليليان البستاني.

انما من باب الحق باعطاء الرأي كمشاهدة كتبت ما رأيت وما شعرت.

سميرة اوشانا

 

 

 

 

 

 

اقرأ الآن