YOUTUBE
Twitter
Facebook

تنوعت مروحة المسلسلات الرمضانية لعام 2023 بين السياسي منها والتاريخي والاجتماعي، وذلك محاولة لكسب أكبر عدد ممكن من المشاهدين وارضاءً للذوق العربي المتشعب.

طبعاً في ظل المنافسة الشرسة للمنصات العالمية، وجد المنتج العربي نفسه أمام تحدياتٍ عالمية، ولكي يعيد المشاهد العربي الى كنفه بعد أن استمالته منصة نتفلكس وغيرها الى مواضيعها التي غالباً ما تتناول أعمال العنف والجريمة والغموض والسياسة والحروب العالمية.

من هنا، كان التحدي كبيراً بالنسبة للمنتج الذي عليه الحفاظ على مكانته في ظل هذه المنافسة العملاقة، لتأخذ الاعمال المعروضة المنحى العالمي من ناحية العنف وسفك الدماء ولو على حساب الأعمال الرومانسية التي تكاد تنقرض والاعمال الكوميدية التي اشتاق اليها المشاهد.

من بين الأعمال التي استطعت متابعتها والتي لفتتني إن كان من ناحية الموضوع الواقعي الذي تناوله الكاتب وإن من ناحية كفاءة الممثلين المشاركين في تجسيد أدوارهم لا سيما الابطال الرئيسيين في حبك الرواية، مسلسل “نار بالنار” انتاج شركة “صبّاح اخوان”.

عندما بدأت وسائل الاعلام الترويج لهذا العمل، بكل صراحة، أدرجته على رأس لائحة الاعمال التي أردت مشاهدتها، لمعرفة كيفية تناول ومعالجة مشكلة الأمر الواقع التي تطرق اليها الكاتب والتي تشكل حالياً أزمة كبيرة للشعب اللبناني، وهي مسألة النزوح السوري في لبنان بأعدادٍ كبيرة والتي باتت تفوق عدد سكان لبنان.

من هنا صوّرت عيّنة من حيٍ فقير يقطنه لبنانيون انتقل اليه نازحون سوريون ومن بينهم، شخصية عمران الذي يلعب دوره الممثل المبدع عابد فهد الذي يحمل الجنسيتين اللبنانية والسورية حسب السيناريو المكتوب، ويملك مالاً يخبئه تحت بلاط منزله، ويتحكم بالقاطنين من دون رحمة، عمران كما وصفه فهد “هو وحش متنقل ومسيطر على هذا الحي بواسطة المال، وكان لا بد أن يكون سكان الحي من الطبقة الفقيرة ويعانون من مشاكل مادية لأنها من أهم أدوات المرابي في استغلال حاجتهم المادية اليه، ليرقص بكل فرح على جراحهم التي لم تلتئم.”

 

المسلسل حصد نجاحاً مبهراً من ناحية عدد المشاهدين الذين كانوا ينتظرونه لا سيما أنه عالج مواضيع عدة كانت مختبئة خلف كل باب. إلا أنه لم يسلم من الانتقادات، وعلى رأسها كاتب المسلسل رامي كوسا الذي اعترض على المس بالنص الذي غيًر مساراتٍ كتبت بغير منحى. لا أريد الدخول في هذه المعضلة التي غالباً ما تتكرر اثر عرض العمل ويظهر الخلاف او الجدال بين الكاتب المتمسك بنصه والمخرج المتمسك بحرية تغيير النص لدى الحاجة او متطلبات نقل ما هو مكتوب على الورق الى شخصياتٍ متحركة من روحٍ ودم.

ولعل أبرز الانتقادات التي طاولت العمل هو ظهور مكثف للممثل الشاب تيم عزيز او “حظي لوتو” الذي كان الكاتب رامي كوسا قد حصر ظهوره بعددٍ من المشاهد الا أن المخرج محمد عبد العزيز أي والده،  حاول اظهاره كبطلٍ جبار أنقذ حبيبته من براثن زوجها الداعشي (طوني عيسى).

كاريس بشار التي لم تقنعني في مسلسل “ستيليتو” إلا أنها أبدعت في تجسيد شخصية مريم تلك المرأة التي أجبرتها ظروفها القاهرة الى ترك بلدها والنزوح الى لبنان حيث تجمعها الظروف للقاء المبدع جورج خباز الذي قالت عنه في تصريحٍ اعلامي أنها شعرت بالرهبة عندما علمت  بوجود خباّز في المسلسل وقالت:” كنت خائفة قبل التصوير بسبب المسؤولية الكبيرة، اسم جورج خبّاز وتاريخه وهرة، ولم يكن سهلاً، ولكن بعدما اجتمعنا في المشهد الاول توطدت علاقتنا وأصبحنا كأننا صديقان قديمان.”

الثلاثية بين المبدعين عابد فهد وجورج خبّاز وكاريس بشار التي اجتمعت لتقديم صراعٍ متعدد الوجوه أثبتت أن الدراما المختلطة في موضوعٍ شائك وحقيقي لهذه الدرجة، يستطيع أن يقدم مادة دسمة ترضي ذوق المشاهد الذي يتابع الدراما ويلاحظ تطورها.

كذلك في هذا العمل نشأت ثنائية ناجحة بين الممثلين طارق تميم وساشا دحدوح ربما كان كلاهما بحاجة لهذه المساحة لإثبات جدارتهما في لعب أدوارٍ درامية مهمة، وفرها لهما هذا السيناريو المتقن، ووضعهما في خانة الممثلين الذين يستحقون الجوائز التقديرية.

مشاهد عديدة لفتت نظري في “النار بالنار” وكنت أنتظر تزويدي بصور تدعم مقالتي، انتظرت طويلاً لكن لعدم توفرها سأكتفي بسردها، مشهد الذي يحرق عمران أو عابد فهد البيانو ويقف أمامه، الذي يدل على مشاعر عديدة عدا عن الحقد والجهل وعدم تقدير هذه الآلة الموسيقية الراقية التي تعني الكثير لخصمه الذي يعتبره أنه سرق منه حبيبته، حتى في الحب نافسه، هذا المشهد يعتبر عالمياً لا سيما عندما وقف أمامه وكأنه انتصر الجهل على المعرفة في معركة حامية.

أما المشهد الأخير الذي يختم المخرج العمل به عودة  عمران (عابد فهد ) من جديد  بالشكل الذي أظهره أنه لم يتعلم شيئاً بل يكرر حياته من جديد، فهذا ابداع حقيقي في الدراما اللبنانية – السورية المشتركة.

كذلك المشهد الذي يجمع ساشا دحدوح بزوجها طارق تميم حين تحدته في لعب البوكر وربحته إلا أنها أوهمته أنه ربح كي لا يخسر ما تبقى من ثيابه. مشهد مؤثر برع الاثنان في تجسيده.

لكن مشهد جورج خباز الذي راح يبحث عن عظام والده في مقبرةٍ جماعية كانت كافية ليس لتؤكد على براعة هذا الفنان الكيير، انما ليثبت أن مشاركة جورج خباز هي بمثابة حبة الماس تصقّل قيراطاً من الذهب.

بدورها كاريس بشار التي لم “تقطم” في أي مشهد من مشاهدها التي تميزت بالعفوية لا سيما طريقة المشي التي اعتمدتها في التنقل للدلالة عن مشكلة جسدية.

 

أما زينة مكي التي منذ انطلاقتها الى اليوم مع تعدد وتنوع الادوار التي قدمتها، تزيدني قناعة أنها ممثلة من الطراز الأول.

على الرغم من النجاح والاقبال على مشاهدة “نار بالنار” الا أنه كان يحمل مشاهد برأيي لم تكن سوى كناية عن حشو لإكمال سلسلة من 30 حلقة، تماماً كمشاهد الفتيات ومشاكلهن في  منزل الممثلة هدى شعراوي الخفيفة الظل، ومشاهد تيم عزيز مع الممثلة فيكتوريا عون التي كان يتنقل بها من مكانٍ الى آخر لاخفائها في حيٍ حيث الجميع يعرف أخبار قاطنيه من الصغير الى الكبير ويعرفون دهاليزه.

 

سميرة اوشانا

اقرأ الآن