YOUTUBE
Twitter
Facebook

1

تهيأ إليّ أني أسمع صوتاً···فتحت عينيّ الواحدة تلو الآخرى بإنزعاج كبير، ونظرت ناحية ساعة الحائط المعلقة على الجدار المواجه لسريري في محاولة مني لأعرف كم الساعة ولكن عبثا بحلقت دون جدوى، باءت محاولتي بالفشل· مددت يدي إلى حيث وضعت نظارتي قبل أن أنام، تناولتها ووضعتها على عينيّ ونظرت من خلالها فعرفت أنها الساعة الرابعة صباحا·

تملكني إنزعاج شديد، نزعت نظارتي وأعدتها إلى حيث كانت وأنا ألعن حظي وأشتم التهيؤات التي تزورني أحياناً وتسبب لي الارق خصوصاً في صباحات أيام الصيف ،إذ بعد الحر والعرق اللذين يحملهما عبق ليل صيفي تكتسح غرفتي برودة لذيذة مع إطلالة الفجر الاولى·

أغمضت عينيّ علني أستطيع معاودة النوم·

عاد ذلك الصوت يطرق مجددا، ولكنه هذه المرة حقيقي· أنه طرق على باب بيتي· طرق بطريقة مميزة أعرفها جيداً·

تنبهت أني لم أكن اتخيّل أو يُهيأ إلي·

انها هي! أمعقول في مثل هذا الوقت؟! نهضت بسرعة وانا اسحب نظارتي لتوضح أمامي الطريق، وهرعت ناحية باب البيت وفتحته·

لم تفسح لي مجالا للكلام، دخلت وهي تقول وتبدو وكأنها حضّرت كلماتها مسبقا: “أعرف أن الوقت مبكر جداً ولكنني لم أستطع الانتظار حتى الصباح”·

ثم بخطى ثقيلة متعبة ووجه ضاع لونه بين الاصفر الذي اكتساه والاسود الذي إمتد مساحة حول عينيها إقتربت ورمت بنفسها على أول كنبة اعترضت طريقها وهي تقول:”لم أنم طيلة الليلة···”

ثم بدأت ترتجف بقوة وجسدها يتراقص فوق مكان جلوسها لشدة إنفعالها وتوترها· وبكت·

إقتربت منها وجلست قبالتها من غير أن أنبس ببنت شفة، تركتها تفرغ مآقيها علها ترتاح·

ولكن من في مثل وضعها تملك من الدموع ما لا ينضب ولا ينتهي· قلت في نفسي:”صبراً جميلاً، قليلا وتهدأ·”

رفعت رأسها ونظرت إلي وبإصرار وعزم كبيرين قالت لي:”لقد اتخذت قراري·”

نظرتُ إليها نظرة استفهام رافضة·

تابعت: “سوف أعود إليه”·

لم أصدق ما سمعته، جنّ جنوني ورحت أنهال عليها بالكلمات صراخا ساهيّة أنها الساعة الرابعة والنصف فجراً وأن صوتي قد يصحي الجيران :” تعودين إليه بعد كل ما جرى؟!··هل نسيت خياناته المتكررة، وضرباته المتحررة من أي معنى للأنسانيّة،ضرباته التي كان يصبّها فوق رأسك بعد كلِّ كأس من الخمرة يفقده صوابه؟!··ما بالك؟!··كم من مرة أتيت إلي تبكين وتشكين تصرفاته العاطلة· الآن، ألآن بعد أن تحررت من سجنك، تقررين العودة إليه بقدميك!؟·· لقد جننت، وهذا شيء مؤكد؟!··”

أجابتني بهدوء كاد يفقدني صوابي :” لا، لم أُجن، بل أفقت من جنوني وأخترت أهون الشرّين·”

صمتت للحظات ثم تابعت بالهدوء نفسه: “أن أعيش بعيدة عنه،وأن يُمحى وجوده من حياتي هو أقصى ما أتمناه، وفي ذلك نعيمي· لكن ثمن ذلك النعيم هو أن أُحرم من نظرة من ولدي الصغير ومن ضحكة على شفتي ابنتي الطفلة، وهما عندي أغلى من كنوز الدنيا كلها ، وفي ذلك جحيمي··· في مجتمعنا الذكوري المرأة هي من يدفع الثمن دائما··· وأنا لست مجرد إمرأة، أنا أم···أم يا صديقتي وعلي أن أدفع ثمن وجودي قرب ولدي!··· ربما أغرب ما في الدنيا أن يكون الشران أحدهما جحيم والأخر نعيم ، وأن يكون الجحيم هو أهون الشرين”·

 

ندى عماد خليل

 

 

اقرأ الآن