YOUTUBE
Twitter
Facebook

Hadi Bou Ayash and Ruba Zarour Philippe Aractingi and Hadi Bou Ayash

تبدأ في التاسع من شباط في الصالات اللبنانية عروض الفيلم الرومانسي “اسمعي” (Listen) للمخرج فيليب عرقتنجي، ويتولى الأدوار الرئيسية فيه كلّ من هادي بو عياش وربى زعرور ويارا بو نصار، ويشارك في بطولته الممثلون رفيق علي أحمد وجوزف بو نصار ولمى لاوَند.

ويتمحوَر “اسمعي” على الحبّ كأحد أقوى أشكال المقاومة والبقاء على قيد الحياة، من خلال رحلة عبر عالَم الصوت وأهميّة الاستماع، إذ يتناول قصة عاطفية مؤثرة: جود شاب لطيف وهادىء يعمل مهندس صوت، تنجذب إليه رنا، وهي ممثلة شابة صاحبة شخصية متمرّدة ونابِضَة بالحيويّة، عندما كان يعرّفها على عالم الصوت الذي يعيش فيه. وفيما كانت قصة الحبّ بين جود ورنا في ذروتها، يحصل ما لم يكن في الحسبان، وتغيب رنا فجأة. ولكي يستعيدها، يلجأ جود إلى رسائل وتسجيلات تتضمن أصواتاً من الحياة يواظب على إرسالها إليها بواسطة الشخص الأقرب إليها: شقيقتها مروى.

 

ويصف عرقتنجي “اسمعي” بأنه “قبل كل شيء قصّة حب، وهي قصّة بسيطة عن شاب يحب شابة ويصرّ على أن يبقى وفيّاً لها”، على الرغم من “كل الإغراءات”. ويعتبر أن “الحبّ، في مناخ أمني وسياسي واجتماعي مضطرب كالذي يعانيه المجتمع اللبنانيّ، يشكّل أقوى أنواع المقاومة”. ويقول: “إنه مقاومة للخوف والموت، وبالتالي، يشكّل فيلم عن الحبّ فيلماً عن الأمل وغريزة الحياة في وجه غريزة الموت”. ويضيف: “إنه فيلم أنحاز فيه إلى الرغبة القوية في التمسّك بالحياة”.

وشاء عرقتنجي أن يكون فيلمه الروائي الطويل الرابع، “على الرغم من عمق المواضيع التي يعالجها والرسائل التي يتضمنها، فيلما من النوع السهل الممتنع وفي متناول كل فئات الجمهور، وهو مزيج من الدراما والكوميديا”. و”اسمعي”، وفق عرقتنجي، “فيلم نشاهده بحاسة السمع”، “يُعير” فيه المخرج آذُنَي جود للمشاهدين.  ويوضح: “تركيزي على الاستماع  يعود إلى أنني أرى فيه عنصر انفتاح وحوار بين الناس”.

ويتابع: “تعمدت تكثيف الأصوات والحوارات. الفيلم مزيج متداخل من الأصوات المتناثرة التي لا معنى لها ظاهرياً، لكنها مع ذلك تبدو كُلاًّ متناسقاً. قصدت أن يكون جو الفيلم صاخباً لكي يقدّر المشاهد فترات الصمت التي تتكثّف مع الاقتراب من نهايته”.

وعن المشاهد الغرامية الجسدية التي يتضمنها الفيلم، يقول عرقتنجي: “هذه المشاهد تندرج في سياق القصة، وهي أساسية في حبكة الفيلم. فالفيلم رومانسي وقصة حب شبابية ناعمة، والشباب اللبنانيون يقيمون علاقات جسدية عندما يكونون مُغرَمين، وبالتالي هذا واقع حقيقيّ، وأي معالجة سينمائية واقعية لقصة حبّ لا يمكن أن تستمر في تجاهلِه”.

ويتناول الفيلم أيضاً مكانة المرأة في المجتمع اللبناني وإشكالية الوفاء في المجتمع اللبناني. ويقول عرقتنجي إن النساء في لبنان تطورن بسرعة ولكن مع ذلك يبقين سجينات “الواجب الاجتماعي” المتمثل في “إيجاد رجل يرتبطن به بهدف الاستقرار وتأسيس عائلة”. ويضيف: “يقال إن ثمة رجلاً لكل ثماني نساء، وهذا ما يجعل النساء جريئات في بحثهن. ووسط كل هذه الإغراءات، يحاول جود، على الرغم من الاضطراب الذي يعيشه، أن يبقى وفيا لامرأة واحدة”.

 

هادي بو عيّاش

Hadi Bou Ayash

أما هادي بو عيّاش، الذي يؤدي دور جود، فَتَركت فيه شخصية مهندس الصوت أثراً عميقاً. ومنذ إبلاغه بأنّ الدور أسند إليه، سارع بو عيّاش، الذي يدرس الإخراج لكنّه يخوض تجربة التمثيل للمرة الأولى، إلى الاستعداد للدور. ويتذكر: “بدأت بإجراء الأبحاث وبِدَرس طريقة عمل مهندس الصوت، بحيث أكون ولا أمثّل. وقمت بأبحاث كثيرة عن حاسة السمع وعن الصوت وعن مدى أهميّتهما في حياتنا وتأثيرهما علينا وخصوصاً في ما يتعلق بنظرتنا في الحياة بطريقة أفضل. وأمضيت وقتاً طويلاً مع مهندس الصوت في الفيلم الذي علّمني كل شيء عن المعدّات وكيفيّة تشغيلها وتوضيبها والتعامل معها، وعن طريقة تصرّف مهندس الصوت في موقع التصوير”.

ويلاحظ “أوجه شبه كثيرة” بينه وبين الشخصية الرئيسية في “اسمعي”. ويقول في هذا الصدد: “كلانا من الجبل ونحب الطبيعة والسكون ومتعلّقان بالأرض ونهتم بالحواس التي نعتبرها نعمة علينا، كذلك نتشابه جود وأنا لجهة أن من السهل أن نقع في الغرام وعندما نُغرم نحب بكل جوارحنا، بكل شيء لدينا، ويكون حبّنا وفياً. ونتشابه أيضاً في كونِنا نحب عملنا كثيراً وهو الطريقة الأساسيّة التي نعبّر بها عن أنفسنا. فإذا أراد جود أن يوصل فكرة إلى أحد يسجّل له صوتاً وهو ما أقوم به من خلال التمثيل أو تصوير الأفلام. لكنّ جود يختلف عنّي بأنّه خجول أكثر مني ومنغلق أكثر مني، ففي حال لم يتحدّث إليه أحد فهو لا يأخذ المبادرة، في حين أنّ شخصيّتي معاكسة لهذه الجهة”.

ربى زعرور

Ruba Zarour

أما ربى زعرور، التي تولّت دور رنا في الفيلم، فترى أن الشخصية التي أدتها “مشابهة كثيراً” لشخصيّتها الحقيقيّة: “رنا حرّة ومتمردة وعنيدة ولا يمكن أنْ يُفرض عليها ما يجب أن تفعله، وهذا قريب جداً من قصّة حياتي. إنّها شخص محبّ للحياة. وهي متفائلة وتريد لجميع المحيطين بها أن يكونوا سعداء”.

وعلى الرغم من هذا “التشابه في أكثر من وجه” بينها وبين رنا، كانت زعرور في تأديتها الشخصية أمام عدد من التحديات. وتقول: “هذا الأمر يعطيني دافعاً أكبر لِكَي أؤدي في المستقبل دوراً أكثر تعقيداً ويكون مختلفاً جداً عنّي”. وتضيف: “كممثّلة، كان لي شرف العمل مع المخرج فيليب عرقتنجي. وقد تعلّمت كثيراً من هذه التجربة. لقد سبق أن درست التمثيل وشاركت في ورش عمل في كل من لوس أنجلس ولندن، ولكن مشاركتي في هذا الفيلم هي التجربة الأهم”.

وترى ربى أن “اسمعي” فيلم “يرضي كل الناس الذين يعرفون كيف يحبّون، كباراً وصغاراً، ذكوراً وإناثاً. إنّه قصّة ستؤثّر في الناس من جوانب عدّة وستُجعلهم يفكرون فيها حتى بعد مغادرتهم صالات السينما”.

 يارا بو نصّار

Yara Bou Nassar

وفي رأي يارا بو نصّار، التي تتولى دور مروى، أن “اسمعي” فيلم “مختلف لأنّه نابع من صميم فيليب عرقتنجي ويعكس لغّته السينمائيّة وما يريد أنْ يعبّر عنه”. وتلاحظ أنها “المرّة الأولى التي يخرج فيها فيليب فيلماً عن قصّة حب وهو ما يختلف عن مقارباته المألوفة. وهذا جزء من فيليب لم يُعرض من قبل على الشاشة”.

وتروي يارا أنها خاضت نقاشات كثيرة مع عرقتنجي خلال فترة التمارين التي سبقت التصوير، تناولت النظرة إلى المجتمع والمرأة والهويّة. وتقول: “تعرّف فيليب علينا كممثّلين أثناء كتابة السيناريو، واستوحى من أحاديثه معنا. وكنّا نتحدّث مثلاُ عن نقاط الشبه والاختلاف بيني وبين الشخصيّة التي أؤدّيها وكان مهماً جداً أن نقوم بهذه المقارنة”.

وتصف يارا شخصيّة مروى بأنها “غامضة”، وترى أن استمتاعها بتأدية هذا الدور يعود إلى هذا الغموض بالذات. وتقول: “نرى في بداية الفيلم أجزاء مشتَّتة كثيرة عن مروى فلا نشعر بأنّنا نعرفها ما يكفي، كوننا لا ندخل إلى عالمها، وكأنّ ليس لها كيانها الخاص، ولكن تزامناً مع اكتشاف الشخصيّات الأخرى في الفيلم لهذه الشخصيّة يبدأ الجمهور باكتشافها والدخول إلى عالمها. وما أحببته أنّ الجمهور يكتشف هذه الشخصيّة من خلال الشخصيّات الأخرى”.

وإذا كان “اسمعي” مناسبة لكي تمثّل ياراً للمرة الأولى في فيلم سينمائي واحد مع والدها جوزف بو نصّار، بعد أن اجتمعا في أعمال نلفزيونية، فإن المفارقة تكمن في أنه، في الفيلم كما في الحياة، كان…والدها. وترى يارا في هذه التجربة “جانباً عاطفياً جميلاً”، و”لحظات ثمينة وحلوة”.

جوزف بو نصّار

Joseph Bou Nassar

 أما جوزف بو نصّار المتأثر أيضاً بهذه التجربة “الجميلة”، على ما يصِفُها، فهو في الفيلم “والد مُسالِم جداً ومُحبّ ومتعاون ومتفهّم” لابنتيه رنا ومروى. ويضيف بو نصّار: “أوافقه تماماً على تصرّفه كأب، فهكذا كنت لأتصرّف في الواقع، وهو لهذه الجهة شبيه جداً بي. فمثلاً هو لا يعارض ابنتيه في ممارسة حريّتهما وعندما يصيبهما أيّ مكروه نراه واقفاً إلى جانبهما”.

ويرى بو نصّار أن أهميّة فيلم اسمعي” تكمن في أنّه “يدفع صناعة السينما اللبنانيّة إلى الأمام وفي الطريق الصحيح”. ويلاحظ أن “فيليب عرقتنجي ينتمي إلى الفئة الأولى من المخرجين الذين يصنعون أفلاماً جيّدة”. ويعتبر بو نصّار أن “الفيلم يكمل مسيرة فيليب عرقتنجي، من ضمن خطّه”.

لمى لاوند

Lama Lawand

في المقابل، فإن شخصية والدة رنا ومروى هي نوع الـ”سنوب”، على ما تصفها الممثلة لمى لاوند التي أدّت الدور, وتعتبر لاوند أن الأم “رسمت أهدافاً محدّدة لابنتيها ربما كانت تريدها لنفسها. وهي ترغب دائماً في أن تطبّق عليهما ما كانت تودّ أن تفعله بنفسها، وثمة جانب طبقيّ لديها”.

وتشدد لاوند على أنها تؤدي “دوراً مخالفاً تماماً”، لطبيعتها” مشيرة إلى أن ذلك حمّسها أكثر لكي تتولى هذا الدور. وتضيف: “الابنة تجد أن أمّها لا تُطاق، وهذا ما كان يريده المخرج، أي إظهار عدم التواصل بين الأم وابنتها، وعدم تفهّمها لها”.

وترى لاوند أن “اسمعي” فيلم “أنيق في كل شيء”. وتلاحظ أن “عرقتنجي رسم الحب في مختلف أشكاله وألوانه، إذ أن كل شخصيّة في الفيلم تُعبّر عن الحب كما تراه وتعيشه. الحب موجود في كل مكان في هذا الفيلم”.

وتُشدد على أن عرقتنجي “لم يُخرج فيلماً إلا وترك أثراً وحقق نقلة نوعيّة. أفلامه لا تتشابه. والنقلة النوعية هنا تكمن في أنّ الفيلم قصّة حب في ظلّ العقليّة اللبنانيّة. إنه ذكي وفنّي للغاية، وحقيقي إلى أقصى حد”.

مسيرة تجارب وتنوّع

Lina Abiad

وفي الواقع، تشكلّ مقاربة عرقتنجي الواقعية لقصّة حبّ لبنانية، وإدراجه في السياق الطبيعي والفنّي للقصة، لا بهدف تجاري، مشاهد تواصل جسدي بين المتحابّين، تتضمن عُرياً جزئياً، بعيداً من أي ابتذال، خطوة أولى على مسار أفق جديد للسينما اللبنانية.

وقد عُرف عرقتنجي خلال مسيرته المهنيّة، بتجاربه المستمرّة والتنوّع في أعماله وإصراره الدائم على تجاوز الحدود التقليدية. وحَمَلَه فضوله الفطري ومثابرته على اختبار اساليب سينمائية غير مألوفة.

ففيلمه الأول “البوسطة” الذي عُرض عام 2005ّ، وهو من النوع الكوميدي الموسيقي، قدّم للجمهور نظرة جديدة إلى مرحلة ما بعد الحرب، ركزت على القدرة التي يتميّز بها اللبنانيون على التكيّف والاستمرار. وتخطّى الفيلم كل التوقّعات، وتصدّر الإيرادات على شبّابيك التذاكر، إذ حقّق رقماً قياسياً للأفلام اللبنانية تخطى الـ140 ألف مشاهد. في ذلك الوقت، وفيما كان قطاع السينما اللبنانيّة ما زال في طور تأسيس ذاته، قلب نجاح هذا الفيلم الموازين، وأدّى إلى انعطافة كاملة في التصوّر العام، فأعاد الثقة بالأفلام اللبنانيّة.

Bshara Atallah

وعندما نشبت الحرب مجدداً في لبنان عام 2006، شعر عرقتنجي بأن من واجبه قول الحقيقة، فما كان منه إلاّ أن بادر بسرعة إلى تصوير فيلمه الروائي الثاني “تحت القصف”. وقد صُوّر هذا الفيلم مع ممثّلين اثنين فقط وسط الدمار والفوضى التي تسببت بها الحرب، مازجاً بين المشاهد المرتجلة، وتلك المكتوبة في السيناريو. وقد عرض الفيلم عام 2008 واستقطب اهتماماً عالمياً، واختير للمشاركة في 40 مهرجاناً من بينها “البندقيّة” و”صندانس” ودبي، وفاز بما مجموعه 23 جائزة من كل أنحاء العالم.

وفي العام 2014، اختار عرقتنجي تجربة الـgenres وأنجز فيلم “ميراث” “Heritages”. وعلى خلفية تاريخ منطقة المشرق في الأعوام المئة المنصرمة، يتناول الفيلم بطريقة فكاهية وعاطفية عدداً من المواضيع الحسّاسة، كالهجرة والذكريات، في مشهديّة تتفاعل فيها بمهارة الصور الفوتوغرافية مع مشاهد من الأرشيف ومقاطع الفيديو العائليّة. وحالياً يعتبر هذا الفيلم بمنزلة “دراسة حالة” ويدرّس في المدارس والجامعات.

Lina Khoury

 

 

سميرة اوشانا

 

 

 

اقرأ الآن