YOUTUBE
Twitter
Facebook

شاءت سلسلة “زيارة” الوثائقية عبر منصة “يوتيوب” أن تُخصِّص تحيةً لبيروت بعيون 12 فناناً في موسمها الثامن  الذي أقيم العرض الأول له مساء الخميس 30 أيار الجاري في ساحة الشهداء ضمن افتتاح مهرجان ربيع بيروت.

واختارت السلسلة الحائزة على جوائز عالمية لحلقاتها البالغة مدة كل منها نحو خمس دقائق عدداً من كبار الأسماء في عالم الرقص والمسرح والتلفزيون والموسيقى هم جورجيت جبارة  وروجيه عساف ورفعت طربيه ورندة كعدي وفايق حميصي وزياد الأحمدية وميراي معلوف وتقلا شمعون وهاروت فازليان وأميمة الخليل ونقولا دانيال ورندا الأسمر.

قالت المنتجة دنيز جبورفي هذه المناسبة: “لقد أهدينا الموسم الثامن إلى مدينة بيروت التي أعطتنا الجمال والحب والبشاعة والاسى والحرب والدمار، ولكن أجمل ما أعطتنا  إياه هو معنى الحرية لنكون مبدعين ونبتكر أشياء نؤمن بها ونحقق هذه الأحلام”.

وأوضحت أن خيار إقامة العرض الأول لهذا الموسم في ساحة الشهداء “هو لرمزية هذه الساحة التي تحمل رسائل مهمة، من ثورات مختلفة ومن أفكار متباينة، نحن نشعر بالحزن حين نرى أضواءها مطفأة خالية كأننا في مدينة أشباح”. وتابعت: “لأننا نكرم مدينة بيروت أحببنا أن نكون في هذه الساحة لنعيد إليها الحياة ولو لليلةٍ واحدة لتصدح من قلبها اصوات هؤلاء الفنانين المشاركين في كل أنحاء مدينة بيروت”.

واضافت: “صوّرنا الحلقات مع 12 بطلاً، هم  ست نساء وستة رجال. إنهم فنانون كبار، بعضهم ساهم في تأسيس المسرح اللبناني، وشاركوا في النهضة الثقافية والفنية في البلد ويروون علاقتهم بهذه المدينة  التي كانت مساحة كبيرة للحريات والجمال والفن والثقافة وكيف تحولت مع الحرب والأزمة الاقتصادية وانفجار 4 آب وكل ما عاشته من حروب ونزاعات. تدمرت وتشوهت ودائماً يبقى فيها أمل، كما يرون، ليعيش الإنسان ويحب ويبدع”.

أبطال السلسلة

وفي حلقات هذا الموسم من “زيارة” الذي أنجز بفضل دعم صندوق بيريت التابع لليونسكو، وتولت إخراجه وتصويره كما المواسم السابقة موريال أبو الروس، روَت جورجيت جبارة مثلاً كيف أنها، “في خضمّ الحرب، بينما كانت البواخر تنقل اللبنانيين المهاجرين”، كانت منهمكة  في بناء مدرستها للرقص في الزوق “حجراً حجراً” وكيف أنجزت أعمالاً بارزة حصدت جوائز “تحت القنابل”.

وذكّر روجيه عساف بأن “بيروت كانت منصة لكل الافكار و الأديان (…)  ودرساً للمجتمع عن الحرية”، وأسف لأن “بيروت دمرت وازيلت واقتلعوا اثارها وسكانها وأبنيتها وأجواءها”. ووصف السنوات ما بعد 2019 بأنها “اصعب مرحلة” في حياته “إذ انطفأت الثورة وانطفأ كل شيء. انه الموت البطيء”.

وقارنت ميراي معلوف بين بيروت وبرودواي، حيث المسارح النيويوركية الشهيرة، ولاحظت أن العاصمة اللبنانية كانت “ملتقى الشعراء والكتاب بالفنانين”.  وقالت: “في ثمانينات القرن العشرين كان لدينا  تعلق بالحياة، انما اليوم الجو العام فيه كآبة  ونعيش في زمن الدمار الشامل”.

وشدّد رفعت طربيه على أن “بيروت كانت عاصمة الحريات في العالم العربي”. وقال: “توّجنا بيروت الحبيبة بهالة المسرح والمسرح هو مقياس حضارة أي شعب”، لكنه اضاف: “لقد خربوها”.

واعتبرت رندة كعدي أن الحرب أفسدت طفولتها وأودت أحلامها. وقالت “كانت بيروت تتمزق وقلبي ايضاً”.

واضافت: “لدي غضب على هذا الوطن. فالوطن أم، ولكن  ما هذه الام التي لا تحضن اولادها؟”.

أما فايق حميصي فأشار إلى أن “بيروت أم للتجارب الجديدة التي تحتضنها”. وقال “أعطتني فرصة أن أعتلي المسرح وأن أكون مختلفاً”.

أما رندا الأسمر فروَت أن المسرح كان خلال الحرب “ملجأً وعلاجاً لتنسى الواقع والقصف والعذاب”.

وأضافت: “بيروت كانت فيها إمكانات كبيرة للفرح والأناقة والثقافة والفن” وكانت “مدينة حرة”، لكنها اليوم “لم تعد المدينة التي أعرفها”.

ولاحظ نقولا دانيال أن بيروت “كانت أجمل مدينة للعيش”، إذ كانت “تضج بالحياة”، ولكن اليوم “اختفت معالمها” ما يجعله يعيش “في غربة قاتلة”. واضاف “كلما نهض البلد يتعرض لضربة على رأ سه”.

وأخبرت تقلا شمعون كيف تهجرت مرتين خلال الحرب. وقالت: “شعرت بالخوف بعد التهجير الثاني في 1982 فكان الخيار أن نعيش في بيروت التي كانت يا للأسف مقسّمة”. وأضافت: “لا استطيع ان اعيش خارج لبنان”.

ورأى زياد الاحمدية  أن “اللبناني يجيد تدبُّر أمره في أي ظروف يعيش فيها. انه شعب يعتمد على نفسه.  من لا شيء يصنع اشياء”.

ووصفت اميمة الخليل بيروت بأنها “مدينة حزينة مهزومة مكسورة، ليس فيها شيء جميل لكنها جميلة، ولا أعرف من أين تاتي بهذا السحر”.

أما هاروت فازليان فاستعاد من جهته ذكريات مسرحيات الأخوين رحباني التي كان يحضرها كونه نجل المخرج  بيرج فازليان. وقال: “لا نستطيع ان نعيش من دون فن ومن دون موسيقى. اذا لم يكن يوجد حب وامل لا نملك شيئا”.

“لغة سينمائية قائمة على الحدس”

وتسعى “زيارة” في حلقاتها إلى تقديم صورة شاعرية عن الأشخاص الذين تتناولهم، يروون من خلالها قصصهم  كما فعل أبطال هذا الموسم، ويعبّرون عن  عواطفهم ومشاعرهم، ويترافق  كل شريط مع نبذة عن بطله أو بطلته.

وشرحت المخرجة ومديرة التصوير موريال أبو الروس أن فلسفة “زيارة” انطلقت في الأساس من “الرغبة في تصوير أشخاص يشكلون مثلاً أعلى لنا جميعاً ويحفزوننا على الاستمرار على الرغم من كل الصعوبات”.

وأكّدت أن “لغة زيارة السينمائية تعتمد على الحدس في التصوير الذي لا يقوم على تحضير او تصميم مسبق”. وأكدت أن لغة “زيارة” السينمائية تتسم “ببصمة خاصة” و”باتت لديها براءة اختراع”.

وأوضحت أن الحلقة “تُخلق مع الشخص الذي يكون محورها”. وشدّدت تالياً على أن “زيارة” هي عبارة عن “عملية إبداعية مشتركة”. واضافت: “روح الشخص وروحنا تمتزجان وتولد الحلقة”. وقالت: “من خلال قلبي ومشاعري، اختار التفاصيل التي أصورها”. وتابعت قائلةً: “أنا احب الشعر كثيراً مع أنني لا أجيد كتابته، لكنّ “زيارة” علمتني أن في داخلي شاعرة نائمة”.

ورأت أن “زيارة” هي عبارة عن “شعر ورسم وحب  بلغة بصرية وسمعية تتيح الاستماع الى الشخص والشعور به قبل ان اكتشافه، بغض النظر عن اللون والدين والإختلافات الموجودة بيننا جغرافيا”. واضافت أن هذه السلسلة هي بمثابة “حب وتعاطف واحترام وإعجاب وتكريم للمشاعر الإنسانية بلغة شاعرية بصرية تجريبية لا حدود لها”. وخلصت إلى القول : “ما دمت اكسر الحدود التي في داخلي، ستتطور +زيارة”.

“أبطال لا ضحايا”

وتقف جمعية”هوم سينه جام” Home of Cine-Jam  للفنون الإنسانية التي اسستها جبور وأبو الروس وراء مبادرة “زيارة”، إذ تهدف الجمعية إلى “إلهام وتحفيز الشفاء العاطفي الاجتماعي من خلال الأفلام القصيرة أو المسلسلات  وتوثيق المشاعر الإنسانية من خلال الفنون السمعية والبصرية”.

وقالت المنتجة دنيز جبور إن سلسلة “زيارة” انطلقت عام 2014 “من حاجتنا إلى لقاء الناس والاستماع الى قصصهم ونقلها إلى الجمهور. وهي كما يشير عنوانها زيارة قصيرة وبسيطة. نزور الشخص، نتحدث معه، ونسأله عن حياته، وعن أصعب تجربة عاشها وكيف استطاع  أن يتخطاها”.

واضافت: “تناولنا مواضيع إنسانية وإجتماعية  مختلفة كإدمان المخدرات والتنمّر وفقدان الولد والاغتصاب والحرب الأهلية وأهألي المفقودين. ونطلق على المشاركين صفة أبطال لأنهم كانوا دائما منتصرين وليسوا ضحايا التجربة التي عاشوها، واستمروا في الحياة بطريقة إيجابية”.

وأكدت “نحن نبتعد قدر المستطاع عن السياسة، والدين عن كل ما قد يفرق البشر، ونروي فقط القصص الإنسانية التي تعود لتجمعنا وتذكّرنا بأن الأولوية التي تجمعنا هي للانسان مهما اختلفنا واختلفت خلفياتنا”.

 

 

 

 

اقرأ الآن